عقدت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ولجنة الأسرة في نقابة المحامين في بيروت بالشراكة مع منظمة عدل بلا حدود، لمناسبة اليوم الوطني للطفل اللبناني المكتوم القيد، ورشة عمل حول “مكتومي/ات القيد في لبنان: تحديات، سياسات وآفاق” في بيت المحامي في بيروت.
وشارك في ورشة العمل محاميات ومحامون من النقابة، وممثلات/ون عن المؤسسات الأمنية والوزارات المعنية والمنظمات الدولية والمحلية. رمت هذه الورشة إلى إلقاء الضوء على التحديات الرئيسية الملازمة لظاهرة تكاثر عدد مكتومي القيد في لبنان وسبل معالجتها.
افتتح اللقاء بكلمة لنقيب المحامين ناضر كاسبار جاء فيها: “إنه لمستحق هذا المكتوم القيد أن يقام له يوم وطني، وهذا اليوم هو اليوم الوحيد الذي نطالب بإلغائه حتى لا يبقى إنسان بلا هوية له، ولا شخصية قانونية له، ولا حقوق أساسية وغير أساسية له، ولا حقوق منصوص عليها في الدستور ولا حقوق مدنية أو شخصية. فكيف يعيش هذا الشخص من دون هوية ومن دون حقوق. نتمنى على جميع الهيئات والمؤسسات والنقابات، نحن منهم، أن ندفع باتجاه حل مسألة مكتومي/ات القيد وإدخالهم في المجتمع بشكل سليم وراقي، ونشجعكم ونشد على أياديكم في هذا المجال، كما نتمنى على ورشة العمل أن تصل إلى توصيات تكرس بنصوص قانونية تحمي كل إنسان في هذا الوطن، حتى لا يبقى إنسان من دون هوية ومن دون قيد”.
عون
بعدها، ألقت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون كلمة قالت فيها: “تذكر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في كل مناسبة أن مسألة حقوق المرأة والقضايا المرتبطة بها ليست بموضوع يخص فقط الهيئات والمنظمات والادارات المعنية بصون هذه الحقوق ومتابعة هذه القضايا، بل هي أمور مجتمعية تتطلب معالجتها مقاربة شاملة والتزاما من كافة المتدخلين في رسم وتطبيق السياسات والخطط الإنمائية. وها نحن اليوم بتناولنا موضوع مكتومات ومكتومي والقيد في لبنان، نبحث في مسألة تتعلق بجوهرها بحقوق الإنسان، إلا أن أحد جوانبها يرتبط مباشرة بمسألة حقوق المرأة في لبنان إذ أن النساء اللبنانيات يحرمن ظلما، من حق نقل جنسيتهن اللبنانية إلى أولادهن وبالتالي يتعرض هؤلاء لخطر الحرمان من الجنسية في حال كان والدهم عديم الجنسية أو فاقدا للأوراق الثبوتية”.
أضافت: “في العام 2017 قدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد عديمي الجنسية في العالم، بما يتراوح ما بين 10 و15 مليون شخص. ولكن لبنان إضافة إلى عديمي الجنسية بحسب المفهوم الدولي يشكو من حرمان عدد من اللبنانيين من الحقوق التي يستتبعها الانتماء إلى الوطن بسبب افتقادهم لوثائق إثبات مواطنيتهم. وفي لبنان تعود بعض جذور مشكلة عديمي الجنسية إلى عهد نشوء الدولة اللبنانية قبل أكثر من مئة عام وظروف تفكك الإمبراطورية العثمانية ووجود عدد من السكان غير محددي الجنسية على أراضيه، وعدم قيام الدولة بمسح إحصائي للسكان منذ العام 1932، واعتماد نظام طائفي في توزيع الوظائف العليا في الدولة. وقد زادت من تعقيدات الوضع، موجات اللجوء الفلسطيني التي عقبت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والخلافات الداخلية التي تولدت في لبنان من جرائها. وقد تضاعفت هذه التعقيدات منذ حوالي عشرين سنة مع تفاقم الأوضاع الأمنية في كل من العراق وسوريا والتي أسفرت عن موجات نزوح جديدة إلى لبنان شملت أعدادا تصل إلى حدود ثلث عدد المواطنين اللبنانيين. بالإضافة إلى هذه العوامل المتشابكة، يضاف إلى الصعوبات التي يمكن ردها إلى التطورات التاريخية والجيواستراتيجية في المنطقة وإلى الطبيعة الطائفية لتوزيع مراكز السلطة في النظام اللبناني، صعوبات ناشئة عن متطلبات القيام بعملية تسجيل المولودين الجدد لأبوين لبنانيين وحرمان الأمهات اللبنانيات من حق نقل جنسيتهن إلى أولادهن”.
وتابعت: “في هذا النطاق الأخير حاولت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية العمل على إيجاد صيغة تعديلية لقانون الجنسية تعترف بهذا الحق للنساء. وفي خريف العام 2019، وعلى طلب من رئاسة الحكومة، تقدمت الهيئة بنص تعديلي لقانون الجنسية يعترف للنساء بحقهن في نقل جنسيتهن إلى أولادهن القاصرين ويخول الراشدين منهم الاستفادة من الحصول على بطاقة خضراء تمنحهم كافة الحقوق المدنية وتخولهم التقدم بطلب الحصول على الجنسية اللبنانية ضمن شروط. لغاية اليوم حالت الأزمات المتتالية، وبالأخص الحكومية، دون طرح هذا الموضوع للمناقشة على صعيد مجلس الوزراء كما على صعيد مجلس النواب وفي الأندية العامة. واليوم أيها السيدات والسادة ندعوكم إلى فتح المناقشة في شأن هذا الاقتراح وفي جميع الصيغ المطروحة لتعديل قانون الجنسية. فإحراز تقدم في هذا الموضوع يساهم في إنصاف اللبنانيات كما يساهم في معالجة جزء من حالات مكتومات ومكتومي القيد. فبحسب إحدى الدراسات التي استندت عام 2012-2013 على عينة عشوائية من عديمي الجنسية، شملت 3031 فردا، كان هؤلاء مولودين، بنسبة 73 بالمئة من أم لبنانية”.
ولفتت إلى أن “أكثر من نصف الأشخاص التي تناولتهم العينة كانوا في حينه دون سن ال 18 سنة وأن انعدام الحصول على جنسية كان يعود في 48 بالمئة من الحالات لأسباب ذات طابع إداري/اجتماعي منها الإهمال في تسجيل الولادات والعوائق في الوصول إلى الإجراءات الرسمية المتعلقة بتسجيل الزواج أو الولادة”. وقالت: “في هذا المجال نود التذكير بأن مديرية الأحوال الشخصية تجاوبت مع مساعي الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية وأصدرت في العام 2018 تعميمين يساعدان على الحصول على الأوراق الثبوتية وعلى إبراز الهوية اللبنانية للوالدة، إذ باتت تقبل الطلبات المقدمة من المرأة اللبنانية (متأهلة، أرملة، مطلقة) للاستحصال على بيانات القيود الافرادية لأولادها القاصرين وفقا للقيود المدرجة في سجلاتهم وبات يحق للمرأة المطلقة، طلب بيان قيد عائلي يذكر فيه أسماء أولادها ورقم قيدهم. ونذكر أيضا أن منذ العام 2018 أيضا بات اسم الأم يدرج كاملا في جوازات السفر اللبنانية. وعلى صعيد حقوق المولودين من أم لبنانية، نذكر أن وزير التربية تجاوب أيضا مع مساعي الهيئة الوطنية وأصدر قرارا في خريف 2018 يعطي الأولوية، بعد التلامذة اللبنانيين، لتسجيل التلامذة غير اللبنانيين المولودين من أم لبنانية”.
وإذ أشارت إلى أن “ليس لدى لبنان إحصائيات رسمية بالنسبة إلى أعداد مكتومي القيد على أن التقارير تفيد بأن أعدادهم تصل إلى حوالي 140 ألف شخص، وأن هذه الأعداد مرشحة للازدياد نظرا للظروف المعيشية السائدة”، قالت: “لذا، علينا أن نتدارك اليوم المخاطر التي تترتب على تفاقم هذه الظاهرة على الرغم من الصعوبات التي تلازم معالجتها نظرا لتعدد أسبابها. واقتراحي هو أن نبدأ بتفكيك العقد التي تنطوي عليها، ومعالجة كل واحدة على حدى. وقد يكون السبيل الأسلم إلى ذلك هو البدء بمعالجة مسألة تسجيل الولادات وتسهيل المعاملات المطلوبة لذلك بخاصة بالنسبة إلى المولودين من أم لبنانية وتوفير الحقوق المدنية لهم ريثما ننجح في تعديل القانون بغية اكتسابهم الجنسية اللبنانية.”
وختمت عون: “نتطلع في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية إلى تعزيز أوضاع النساء في لبنان، وندرك أن السبيل الى ذلك هو العمل على إرساء أسس حديثة لنظام دولتنا يعترف ويعمل بموجب حقوق الانسان ومبادئ المساواة بين الجنسين. في هذه المناسبة أحيي وأشكر لجنة الأسرة في نقابة المحامين وجمعية عدل بلا حدود للمشاركة في تنظيم هذا اللقاء، كما أعرب عن شكري وتقديري لنقابة المحامين في بيروت التي تشاطرنا تطلعاتنا ومبادئنا وأخض بالذكر النقيب ناضر كاسبار وأعضاء مجلس النقابة لاستضافة هذا اللقاء في هذا البيت الكريم”.
بعدها، قالت رئيسة لجنة الأسرة في نقابة المحامين في بيروت إقبال دوغان أن “ظاهرة مكتومي القيد في لبنان هي ظاهرة مرضية ولا يزال هناك نقص فادح في تلافي هذه الظاهرة ان من جهة تطبيق الاتفاقات الدولية أو في إصدار قوانين تعالج هذه الظاهرة المروحية، والتي تتجدد وتنمو وتكبر باستمرار لتهدد بنية المجتمع”. وقالت: “أطفال هذه الفئة يزدادون عددا بالولادات وخاصة أنهم من الفئات المهمشة الذين تكثر الولادات لديهم بفعل الجهل والفقر وانسداد أفق الحياة القانونية الكريمة واستغلالهم، وخاصة الأطفال منهم من قبل العصابات ومافيات المخدرات والشذوذ والدعارة وحتى الإرهاب. ولكل ذلك على الدولة تنظيم وجودهم بقوانين تدخلهم في المجتمع وتفتح لهم سبل العيش الكريم وتعترض بشرعية وجودهم بطرق تتناسب مع الدستور والمعاهدات الدولية بعد أن طاله مشكلتهم لتصبح حاضرا ومستقبلا خطرا على المجتمع”.
شلبيان
بدورها، ألقت رئيسة منظمة عدل بلا حدود المحامية بريجيت شلبيان كلمة جاء فيها: “تعمل عدل بلا حدود مند أكثر من عشر سنوات على موضوع مكتوم ي/ ات القيد من خلال العمل على تقديم جلسات التوعية حول أصول تسجيل المواليد وتمكين مكتومي/ات القيد من الوصول الى العدالة. كما تعمل عدل بلا حدود على تقديم الاستشارات القانونية والتمثيل القانوني أمام المحاكم. ويهدف هذا اللقاء بصورة أساسية على الخروج بتوصيات وتنفيذ سياسات ضامنة لمكافحة هذه الظاهرة وأهمها لضمان تسجيل كل مولود على الاراضي اللبنانية من خلال اعتماد نظام مكننة وربط المستشفيات والمخاتير بمديرية الاحوال الشخصية.” وختمت: “إن مكتوم/ة القيد معرض/ة للاستغلال والاتجار ولكل انواع العنف، محروم/ة من كافة حقوقه/ا ، ويبقى خارج أية سياسات تضعها او تعتمدها الدولة لا سيما خلال الازمات. مكتوم/ة القيد ليست مشكلة فرد إنما مشكلة مجتمع ما يوجب على الجميع التكاتف لايجاد الحلول وضمان تنفيذها.” وتمحورت الجلسة الأولى حول التحديات والمخاطر التي يواجهها مكتومي/ات القيد في لبنان، أما الجلسة الثانية فقد تمحورت حول الإجراءات والسياسات الواجب اعتمادها لمكافحة ظاهرة مكتومي القيد، كما تم عرض لشهادات حية حول هذا الموضوع، واختتمت الورشة بالتوصيات.