على رغم إقتراب موعد الإنتخابات النيابية، الذي أصبح خلف الباب، لا تزال الإستعدادات خجولة نسبيًا، سواء من ناحية الإقبال على الترشّح الرسمي، أو من ناحية إعلان التحالفات النهائية. فالجميع من دون إستثناء، ومن اقصى اليمين إلى أقصى الشمال، محشورون في زاوية الترقب والإنتظار وجلاء المعطيات، التي تكتنف العملية الإنتخابية بمجملها.
وتعيد مصادر عليمة هذا التردّد في حسم الخيارات من قبل جميع الأطراف تقريبًا إلى عدّة عوامل، ومن بينها:
أولًا، صعوبة صياغة تحالفات نهائية، لأن لكل دائرة انتخابية خصوصيتها، وكذلك لكل طرف أهدافه وأجندته وحساباته التي تتناقض مع الطرف الآخر، حتى بين الذين يُفترض بهم أن يكونوا في خندق إنتخابي واحد، بإعتبار أن بينهم أكثر من قاسم سياسي وإستراتيجيات مشتركة.
الثاني، إنكفاء تيار “المستقبل” عن المشاركة في العملية الإنتخابية ترشيحًا وربما إقتراعًا، بما يعني إنكفاء نسبة كبيرة من الأصوات السنيّة الى خارج اللعبة الإنتخابية في الدوائر التي كان له فيها نفوذ، من بيروت الى الشوف وصيدا والشمال وصولًا الى البقاع الغربي وزحلة، وهذا الأمر أوقع المتكلين على الصوت “السنّي المستقبلي” في هذه الدوائر في حال من الإرباك في غياب الصوت التعويضي، سواء بالنسبة إلى المتحالفين سياسيا مع “التيار الأزرق”، أو أولئك الذين يتحالفون معه لمصالح إنتخابية، كما حصل مع “التيار الوطني الحر” في الإنتخابات الماضية في أكثر من دائرة.
يُذكر في هذا المجال أن ثمة أكثر من محاولة لتشجيع السنّة على الإقبال بكثافة على الإقتراع بما يحول دون تجيير بعض الأطراف هذا الإنكفاء لمصالح ضيقة لم تعد خافية على أحد.وكان البارز في هذا السياق قول مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ” ندعو الجميع ،الجميع، للنزول إلى صناديق الاقتراع. فالتصويت الكثيف، هو رسالة أمل ورجاء، وإيمان بمستقبل الوطن والدولة”.
ثالثًا، في غياب تيار “المستقبل” فإن أغلبية الأطراف الذين كانت تجمعهم به تحالفات إنتخابية ظرفية تجد صعوبة في إيجاد البديل، الذي في إمكانه أن يؤّمن لهم الحواصل المطلوبة من أجل الحفاظ على الحدّ الأدنى من مواقعهم الحالية، خصوصًا أن ثمة معلومات مستندة إلى إحصائيات مؤكدة تفيد بتراجع ملحوظ في شعبية كل الأحزاب السياسية التقليدية لمصلحة “القوى التغييرية”.
أمّا العامل الرابع، الذي يشكل عنصر قلق مزدوج وجدّي لدى مختلف المكّونات السياسية، فمردّه إلى أمرين : الأول أصوات المغتربين وتأثيرها على الخارطة النيابية، وبالأخصّ في بعض الدوائر الحسّاسة، مع بدء الحديث في بعض الأوساط السياسية عن ضعف في حماسة هؤلاء المغتربين على الإقتراع، على رغم إرتفاع عدد المسجلين. والثاني، تأكيد كل الإحصاءات والدراسات الإنتخابية، سواء تلك التي تُعدّها المراكز المختصة أو تلك التي تُعدّها الماكينات الحزبية، على إمكانية تراجع نسبة الإقتراع في كل الدوائر عما كانت عليه في انتخابات العام 2018، بالحد الأدنى بحدود 10 الى 15 في المئة، لأسباب مختلفة مرتبطة بالأزمة الإقتصادية والمالية وتفاعالتها، والحنق العام على الطبقة السياسية، وهو أمر ليس سهلًا على المكّونات السياسية في أن تتمكن من أن تبديل المزاج الشعبي وجذب الحانقين والمتردّدين الى صناديق الإقتراع.
فلهذه الأسباب مجتمعة تبدو جميع الأحزاب والتيارات السياسية في حال قلق دائم، مع ما تشوبها من ريبة في تحصيل الحواصل التي إستطاعت بواسطتها في الإنتخابات الماضية الدخول إلى البرلمان بكتل وازنة وكبيرة، على رغم إقتناع الجميع بأن الأكثرية في لبنان هي كالأقلية، من حيث الفعل والتأثير والنتائج.