مرّة أخرى، يسبق “حزب الله” سائر الأحزاب على المستوى الانتخابيّ، فبعد أن كان في “صدارة” من أطلقوا حملاتهم الانتخابية، في عزّ “التشكيك” بحصول الاستحقاق في موعدها، ها هو أول من يعلن القائمة الكاملة لأسماء مرشحيه في مختلف الدوائر، عبر كلمة متلفزة لأمينه العام السيد حسن نصر الله، وفق ما درجت عليه العادة.
بدا الإعلان عن لائحة مرشحي “حزب الله” بشكل رسميّ مؤشّرًا إيجابيًا بالنسبة لكثيرين، فهو “الدليل الأكبر” ربما على أنّ الانتخابات حاصلة في مواعيدها، رغم انهماك كثيرين حتى الآن باختراع “سيناريوهات” تغلّب خيار التأجيل أو الإلغاء، وآخرها ما قيل عن أنّ “تطيير” الانتخابات سيكون “نتيجة طبيعية” لحرب أوكرانيا، رغم غياب أيّ “رابط” بين الأمرين.
لكنّ قائمة مرشحي “حزب الله” لم تحمل تغييرات كبيرة تُذكَر، حيث كان مرشحو الحزب بأغلبيتهم الساحقة من النواب الحاليّين، من دون وجوه جديدة ولا نسائية أو شبابيّة، فيما اقتصرت الترشيحات، على جري العادة أيضًا، على مقاعد “محدودة”، في ظلّ الاتفاق المُسبَق على “تقاسم” المقاعد الشيعية مع حركة “أمل”، و”التنسيق” مع سائر الحلفاء، المحتملين والفعليّين.
رسائل “حزب الله”
خلف إعلان “حزب الله” قائمة مرشحين قبل أكثر عشرة أيام من إقفال باب الترشيحات في وزارة الداخلية، أكثر من “رسالة” قرأها المتابعون، أولها رغبة الحزب بتأكيد “حرصه” على حصول الانتخابات، و”دحض” النظرية المتداولة القائلة إنّه يرغب بتأجيلها، بدليل أنّه من “قلّة” تعمل للانتخابات وكأنّها حاصلة غدًا، وتحضّر لها بجدّية قلّ نظيرها بين باقي أحزاب السلطة.
ثمّة رسائل أراد “حزب الله” إيصالها أيضًا للحلفاء والخصوم، عبر إعلان أسماء مرشحيه رسميًا وبشكل نهائي، من دون تركها مادة للأخذ والردّ والابتزاز، ما يعني أنّ “التحالفات” التي سينخرط فيها ستكون مستندة إلى هذه اللائحة، ولو أنّ هناك من يؤكد أنّ التحالفات باتت بحكم “المحسومة” أيضًا، وقد تمّ التوصّل إلى اتفاقات بشأنها، خصوصًا مع “أمل” و”التيار الوطني الحر”، بما يؤدي إلى “تفادي” بعض الإشكالات التي يمكن أن تقع، كما حصل في الدورة السابقة.
مع ذلك، يتوقّف المتابعون عند مضمون ما قاله السيد نصر الله الذي أوحى بإمكان الذهاب إلى تشكيل “لائحتين” في بعض الدوائر، يتمّ التفاهم حولها، في مقابل “لوائح واحدة موحدة” في دوائر أخرى، ما يعني أنّ تكرار “سيناريو” انتخابات 2018، التي خاض فيها “حزب الله” الانتخابات متحالفًا مع “التيار” مثلاً في دوائر معيّنة، ومتنافسًا معه في دوائر أخرى، قد يتكرّر في هذه الدورة، في حال “الاختلاف” على بعض “التفاصيل”.
أين التغيير؟
بعيدًا عن التحالفات، التي يبقى الرهان مركّزًا عليها في القادم من الأيام، لبلورة شكل اللوائح الانتخابي، التي يوجب القانون انضواء جميع المرشحين فيها حتى يبقى ترشحهم نافذًا، فقد أثارت قائمة المرشحين التي أعلنها “حزب الله” بعض التساؤلات، فلماذا أبقى “القديم على قدمه” في معظم الدوائر، رغم أنّ “التغيير” بات مطلبًا وطنيًا، وربما حزبيًا أيضًا؟ وألم يكن من الأجدى “تطعيم” القائمة بوجوه جديدة بعدما تعدّى الحضور النيابي للبعض ثلاثة عقود كاملة؟
يقول العارفون بأدبيّات “حزب الله” إنّ مقاربة القيادة “الحزبية” كانت مغايرة للانطباع الشعبي العام، إذ ثمّة أولاً وجوه نيابية باتت من “الثوابت”، وقد راكمت “خبرة طويلة” في العمل التشريعي والنيابي، يمكن البناء عليها وتطويرها، كما أنّ الوقت ليس ملائمًا لتغيير “جذري”، علمًا أنّ أيّ “تغيير” من هذا النوع، كان سيعني بمكان ما “تقييمًا سلبيًا” لأداء هؤلاء النواب، في حين أنّ الواقع ليس كذلك، هم لا يتحمّلون مسؤولية الأزمات المتفاقمة التي ضربت البلاد.
يبقى تغييب العنصر “النسائي” مرّة أخرى عن قائمة مرشحي “حزب الله”، وقد أثار بعض التعليقات “السلبية” على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، إلا أنه يعكس بدوره “سياسة ثابتة” بالنسبة إلى “الحزب”، سبق أن كشف عنها الأمين العام للحزب نفسه، حين اعتبر أنّ “متطلبات” العمل النيابي في لبنان، “لا تلائم الأخوات”، ولو أنّها “نظرية” أثارت ولا تزال الكثير من التحفّظات، في ظلّ التطور الواسع في المجتمعات.
بمعزل عن هذه التفاصيل، فإنّ الثابت أنّ “حزب الله” أطلق رسميًا “بورصة” الترشيحات الرسمية للأحزاب، على أن تتبعه “حركة أمل” نهاية الأسبوع، أو مطلع الأسبوع المقبل، وبينهما ربما تعلن سائر الأحزاب، وعلى رأسها “القوات” قائمة مرشحيها، ليسدل “التيار الوطني الحر” الستار في 14 آذار. فهل تضع هذه “الحماوة والحماسة” حدًا بشكل نهائي وسَلِس لمنطق “التشكيك” بموعد الانتخابات الذي لا يزال يأخذ مداه رغم كلّ شيء؟