ظروف البلد الصعبة طاولتهم أيضاً.. حدائق حيوانات نحو الإقفال!

4 مارس 2022
ظروف البلد الصعبة طاولتهم أيضاً.. حدائق حيوانات نحو الإقفال!


كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”: لطالما شكلت حدائق الحيوانات في لبنان، والتي لا يتجاوز عددها أصابع اليدين، معالم جذب سياحي للداخل والخارج على السواء. فهي في العادة مقصد تثقيفي لطلاب المدارس والجامعات وترفيهي للسياح والأطفال. لكل حيوان حكاية يتفاعل معها الزائر على طريقته، لكن أكثر ما يستقطب الاهتمام في هذه الحدائق هي الحيوانات المهددة بالانقراض، على غرار الدببة، خصوصاً أنها انقرضت تماماً في لبنان منذ منتصف القرن الماضي. الضباع أيضاً لها منزلتها لدى صغار السن لأنها تحاكي القصص التي يقرأون عنها في الكتب. فما حال هذه الحدائق اليوم؟
 
الحقيقة أن حدائق عدة أغلقت أبوابها ومنها تكافح للبقاء رغم الظروف الصعبة المحيطة بالبلد من كافة الجوانب والتي، على ما يبدو، لم تكتفِ باستهداف البشر وإنما امتدّت لتطاول الحيوانات أيضاً. الدب، مثلاً، الذي كانت تبلغ تكلفة إطعامه الشهرية حوالى مليون ومائتي ألف ليرة لبنانية، أصبحت اليوم حوالى 10ملايين ليرة. أما الطيور الجارحة، فقد ارتفعت تكلفة إطعامها الشهرية من مليونين وأربعمائة ألف ليرة إلى حوالى 9 ملايين. وفي ما يخص تكلفة الأعلاف الشهرية للحديقة فهي وصلت إلى حدود 14 مليون ليرة بعدما كانت تقارب المليون ونصف المليون.
 
حديقة Animal Encounter التي يعود عمرها إلى أكثر من ثلاثين سنة. هي جمعية أكثر منها حديقة، بحيث بدأت الفكرة مع صاحب المشروع، السيد منير أبي سعد، وزوجته اللذين ترجما شغفهما بالحيوانات إلى عمل تطوّعي يهدف إلى جمع الحيوانات البرية المصابة والاعتناء بها ومداواتها. أهداف الحديقة، بحسب أبي سعد، ثلاثة: الاعتناء بالحيوانات التي سبق أن تعرّضت لإصابات أو جروح، نشر الثقافة البيئية ضمن المجموعات التي تزور الحديقة، والعمل على تكاثر الحيوانات منعاً لانقراضها. تجد في الحديقة حصراً الحيوانات البرّية اللبنانية، من الضباع والذئاب والثعالب إلى الدببة والغزلان كما الطيور والنسور وغيرها، إضافة إلى حيوانات المزرعة كالماعز والغنم والدجاج. بالأغلب جميع تلك الحيوانات معرّضة لإصابات. تلك التي تتماثل للشفاء تُعاد إلى الطبيعة، أما التي لا تسمح حالتها بذلك، فتبقى تحت عناية خاصة شرط التزاوج وزيادة النسل.
 
الدخول إلى الحديقة مجاني. فهي لا تبغي الربح حيث أن جلّ ما تهدف إليه الحفاظ على الحياة البرية. إذ تعتمد شتاء على المجموعات التي تقصدها من مدارس وجامعات مختلفة بهدف التوعية البيئية، في حين أن عدد الزائرين يتضاعف صيفاً حكماً تزامناً مع موسم الاصطياف. عن مصادر التمويل في ظل مجانية الدخول، يشرح أبي سعد: «أكثرية العمل تطوّعي ونتّكل على المساعدات المادية التي يقدّمها بعض المعنيين بشؤون الحيوانات، كما على التبرّعات التي نجنيها من الزائرين والنشاطات الدورية التي نقوم بها كالتومبولا مثلاً. أما الأرض والمياه، فهي تقدمة من البلدية».
 
تقشّف
العمل داخل الجمعية لم يسلم من آثار الأزمة الاقتصادية التي ألقت بثقلها على جميع المجالات. فأسعار الطعام تضاعفت أكثر من عشر مرات. «كنا نشتري العلف بسعر 600,000 ليرة لبنانية لكل طن ونصف، أما اليوم فقد أصبح السعر 460 دولاراً أميركياً (ما يقارب 10 ملايين ليرة على سعر الصرف الحالي) للكمية نفسها. ثم أن كيلو «الرقاب» الذي كان سعره ألفي ليرة فارتفع إلى حوالى 15 ألف ليرة». هذا الارتفاع الجنوني بالأسعار فرض سياسة تقشّفية على إطعام الحيوانات أيضاً، إذ أصبحت تُقدّم لها كمية الأكل الضرورية لمجرّد إبقائها على قيد الحياة، بعد أن كانت تتناول الفاكهة والخضار والوجبات الخفيفة (Snacks) بين الوجبة والأخرى. هذا ولم نأتِ بعد على ذكر أسعار الدواء (في حال توافره) بحيث «أصبح راتبي وراتب زوجتي وأولادي مجتمعين غير كافية لتسديد مصاريف أكل الحيوانات»، يقول أبي سعد.
 
للمرة الأولى منذ ثلاثين سنة، يتخوّف صاحب الحديقة من أن يُضطرّ وزوجته لاتخاذ القرار الذي لم يجرؤا على التفكير به يوماً، ألا وهو إقفال الحديقة. ماذا عن مصير الحيوانات في تلك الحال؟ «البعض منها يمكن إعادته إلى الطبيعة، وقسم يمكن إرساله خارج لبنان، أما الحيوانات التي لا قدرة لديها على خدمة نفسها بنفسها – وهنا يتكلّم أبي سعد بغصة خانقة – فسوف نُضطرّ إلى إنهاء حياتها كي لا ندعها تموت ببطء». الجهات الرسمية غائبة كلياً فلا مساعدة من وزارة البيئة ولا مساندة من وزارة الزراعة وكأن الحيوان ليس جزءاً لا يتجزأ من النظام الإيكولوجي الطبيعي الذي يتوجّب السعي الدؤوب للحفاظ على مقوّماته.