رغم أنّ أقلّ من نصف شهر يفصل اللبنانيين عن أول “استحقاقات” الانتخابات النيابية، وهو تقديم الترشيحات بصورة رسمية، إلا أنّ الإقبال عليها لا يزال متواضعًا بل خجولاً، حيث لم يتجاوز “العدّاد” حتى الآن رقمًا يدور في فلك العشرينات، معظم أصحابها من “المستقلّين”، في ظلّ “تريّث” الأحزاب الكبرى، لأسباب قد تكون مرتبطة بالتشويق والمنافسة.
تدفع هذه “الظاهرة” إلى طرح الكثير من علامات الاستفهام، فلماذا لا تزال “بورصة” المرشحين عند حدودها “الدنيا”؟ وما الذي ينتظره المرشحون الراغبون بخوض الندوة البرلمانية، وهم بالمئات بحسب التقديرات والتوقعات؟ وما حقيقة الحديث عن أسباب “لوجستية” تحول دون تقديم الترشيحات، مرتبطة ببعض “تعقيدات” القانون الانتخابي؟
وأبعد من كلّ ما سبق، تُطرَح علامات استفهام بالجملة عن حقيقة “رهان” الكثير من الأطراف والجهات السياسية ذات الوزن، على “حدث ما” يخلط الأوراق، ويؤدّي ربما إلى “تطيير” الانتخابات عن بكرة أبيها، رغم كلّ التعهّدات الحكومية بأنّها ستجري في موعدها، خصوصًا في ظلّ سريان مناخ “التشكيك” حتى إثبات العكس.
“ظاهرة” غير جديدة
يقول بعض العارفين والمطّلعين على “دهاليز” الشأن الانتخابي إنّ “ظاهرة” الإحجام عن تقديم الترشيحات الرسمية حتى اللحظة الأخيرة ليست جديدة على “القاموس الانتخابي” في لبنان، إذ درجت العادة على أن تكون “حصّة الأسد” من الترشيحات في ربع الساعة الأخير، وهو تمامًا ما حصل عام 2018، حين تجاوز عدد الترشيحات في اليوم الأخير من المهلة الدستورية 500 من أصل ما يزيد على 900 بقليل.
لكن، رغم ذلك، ثمّة بعض التفاصيل المرتبطة بالقانون الانتخابي وتعقيداته، ربطًا بالأزمات المتفاقمة، التي تثير “قلق” كثيرين من وجود أسباب “تقنية ولوجستية”، تدفع الكثير من الراغبين إلى الإحجام والتريث، على رأسها رسم الترشح المرتفع نسبيًا، وقد أصبح بحدود 30 مليون ليرة، وهو رقم قد لا يكون الكثير من المرشحين، ولا سيما المستقلين، مستعدّين لدفعه، ما لم “يضمنوا” سلفًا استمرارهم في الترشح وقدرتهم على الانضواء في لوائح.
ولا يزال “شرط” فتح حساب مصرفي للحملة الانتخابي أحد الأسباب والعوامل التي “تعرقل” تقديم طلبات الترشح، بحسب ما ينقل عدد من الراغبين بالترشح، إذ لا تزال بعض المصارف “تعقّد” العملية وفق ما يقولون، بما ينسجم مع “الأداء العام” للمصارف، منذ انفجار الوضع قبل أكثر من عامين، رغم تعميم مصرف لبنان الأخير الذي طلب من البنوك العاملة في لبنان “تسهيل” فتح هذه الحسابات عملاً ببنود قانون الانتخاب الساري.
منافسة “حامية”
وإلى العوامل اللوجستية والتقنية، ثمّة عوامل سياسيّة أيضًا تُضاف إلى ما سبق، بينها بطبيعة الحال “انعدام الثقة” لدى شريحة واسعة من اللبنانيين برغبة الطبقة السياسية فعلاً على إجراء الانتخابات، والاعتقاد السائد بأنّ “التمديد” حاصل للبرلمان، بل إنّ هناك من رأى في “إنجاز” شعبة المعلومات الأمني الأخير، “توطئة” للحديث عن ظروف أمنية يتذرّع بها البعض للتمديد، مع أنّ وزير الداخلية كان واضحًا حين “دحض” هذه الفرضيّة.
لكن ثمّة في العوامل السياسيّة ما قد يحمل طابعًا إيجابيًا، ينطوي على “التنافس والتشويق”، إذ إنّ الأحزاب الكبرى تبدو كمن “تنتظر بعضها بعضًا”، ولو أنّ بعضها بدأ الإعلان عن بعض مرشحيه بـ”التقسيط”، وبعضها الآخر حسمها بشكل شبه كامل، علمًا أنّ ما لفت الانتباه في هذا الإطار يتمثّل في اختيار “التيار الوطني الحر” موعد 14 آذار للكشف رسميًا عن قائمة مرشحين، ولو أنّه مرتبط بمناسبة لها “رمزيّتها التاريخية” بالنسبة إلى “العونيّين”.
وعلى طريقة “التشويق” نفسها، يمكن النظر إلى “تريث” بعض القوى والشخصيات السياسية في “حسم” مواقفها، حيث إنّ بعض الوجوه الأساسيّة تترك “الغموض” مهيمنًا على اتجاهاتها الانتخابية، كما يحصل على سبيل المثال مع نواب “تيار المستقبل” الذين يبدي كثير منهم رغبة في خوض الاستحقاق، رغم قرار رئيس التيار سعد الحريري بالعزوف عن المشاركة، لكنّهم يتريّثون في “الكشف” عن خططهم، حتى اللحظة الأخيرة على ما يبدو.
لا يعني الإحجام عن تقديم الترشيحات، حتى الآن،رغم خرق رئيس مجلس النواب الجمود اليوم بتقديم ترشيحه رسميا ، أنّ الانتخابات لن تحصل في موعدها، ولا يعني أيضًا أنّ “الحماسة” غائبة عن خوض الاستحقاق، ولو أنّ الكثير من المؤشّرات الأخرى تميل إلى “تأكيد” هذه الفرضيّة. إنّها باختصار ظاهرة عاديّة، سبق أن حصلت في دورات سابقة، إلا أنّ جوّ “الضبابية” الذي يحيط بهذه الانتخابات، من الألف إلى الياء، يعزّز “الغموض”، الذي لا يبدو أنّه “سيتبدّد” قبل الخامس عشر من أيار المقبل.