الخلاف بين عدد من الذين لم تسمح لهم الآلية المتبعة داخل “التيار الوطني الحر”، في مراحلها الثلاث، لإختيار مرشحيه للإنتخابات النيابية، وبين “ميرنا الشالوحي” إنتقل من داخل الغرف المغلقة إلى العلن بعدما تقدّم النائب حكمت ديب بإستقالته من “التيار”، وهو واحد من مؤسّسيه الأساسيين، ومن جيل المناضلين، الذين تعرّضوا للقمع والحبس، يوم كان “الزمور العوني” يخيف السلطة الحاكمة.
من حقّ حكمت ديب الإستقالة، ومن حقّه أن يتهم القيادة الحزبية بأنها تسعى إلى إستبدال المناضلين بالمتمولين، ومن حقّه أن يعبّر عن رأيه، وأن يقول علنًا ما يقوله غيره بالسرّ، ولكن من حقّ القيادة الحزبية أيضًا إحترام إرادة القاعدة الشعبية، التي يعود لها وحدها إتخاذ قرار دعم هذا المرشح أو إستبعاد مرشّح آخر. فهذه الآلية يجب أن تُحترم، ويجب أن تنّفذ كما هي. هذا ما تقوله القيادة، وهذا ما تقوله الأنظمة المعمول بها، والتي جاءت بموافقة جميع الحزبيين، بمن فيهم الذين يعترضون على نتائج التصويت الداخلي، سواء الجدد منهم أو القدامى، والذين سبق لهم أن خرجوا من “التيار”، وبعض منهم يفكّر بالترشّح في أكثر من دائرة، ومن بينهم الناشطون نعيم عون وبشارة خيرالله وطوني نصرالله ورمزي كنج وغيرهم من الأسماء الذين تماهوا مع مبادىء الثورة، وهي في الأساس المبادىء نفسها التي قام عليها “التيار الوطني الحر” قبل أن يدخل في زواريب السياسات التقليدية الضيقة ومنطق المحاصصة وتقاسم السلطة ومغانمها، على حدّ تعبير هؤلاء.
مصادر مقرّبة من القيادة الحزبية في “ميرنا الشالوحي” تكتفي بالتعليق على إستقالة النائب ديب وغيره بالقول إنه إذا خرج من “التيار” مئة يدخل إليه ألف، مؤكدة أن هذه الظاهرة لن يكون لها أي تأثير على القاعدة الشعبية لـ”التيار” الآخذة بالتوسع على عكس ما يحاول البعض الإيحاء به، وبالتالي لن يكون لها أي تأثير على نتائج الإنتخابات المقبلة، خصوصًا إذا تمّ إعتماد “الميغاسنتر”.
من جهتهم، يقول المعارضون أن لا مشكلة لديهم مع الآلية، التي على اساسها يتمّ إختيار المرشحين، وهم من الأشخاص الذين ساهموا في إقرارها، ولكنهم يرون أن المشكلة تكمن في التطبيق وفي حرف هذه الآلية عن هدفها الأساسي، وذلك عندما تتدّخل القيادة، مباشرة أو بالواسطة، للتأثير عن طريق “المونة” على قرار القاعدة الحزبية، خصوصًا أن الجميع يعرفون الوسائل التي تلجأ إليها القيادة الحالية لفرض إرادتها كما تريد هي وكما ترتأيه، وتتلطى في النتيجة وراء الإرادة الحزبية.
الآراء متناقضة، وكل طرف يرمي الكرة إلى ملعب الطرف الآخر، وهذا ما يؤّثر في النتيجة على القاعدة الحزبية، التي بات بعضها يقيس الأمور من منظار مغاير على عكس ما كان سائدًا في بداية إنطلاقة “التيار”.
الجواب النهائي لمن يدور في فلك رئيس “التيار” يأتي من دون “قفازات مخملية”، وهو بما معناه أن “التيار” لا يحتاج إلى “تقالات”. فمن لا يؤمن بما تقوم به القيادة الحزبية فليخرج غير مأسوف عليه. أمّا الذين يؤمنون بخطّها الثابت وغير المتحرّك فمرحّب بهم، وعليهم إتكالنا للإستمرار في مسيرة إستعادة مشروع بناء الدولة على اسس حديثة وغير ملتوية، وعلى محاربة الفساد أينما وجد وبكل الوسائل الممكنة والمتاحة والمشروعة.