من محطات المحروقات إلى السوبرماركت… هل عادت ظاهرة “الطوابير”؟

7 مارس 2022
من محطات المحروقات إلى السوبرماركت… هل عادت ظاهرة “الطوابير”؟


مع أنّها تحوّلت على مدى أشهُر إلى “مشهد عادي” بالنسبة إلى اللبنانيين، الذين “تأقلموا” معها، غصبًا عنهم، إلا أنّ “الطوابير” التي عادت لتُرصَد في عطلة نهاية الأسبوع، أمام محطات المحروقات، وفي بعض محال السوبرماركت، ولو بدرجة أقلّ، أثارت الكثير من المخاوف والهواجس، فهل عاد “الكابوس”؟ ولماذا الآن؟
 
ففي محطات المحروقات، سُجّل “تهافت جنوني” من قبل المواطنين، أعاد مشاهد “الطوابير”، بعد فترة انقطاع منذ رفع الدعم عن المحروقات، غذّته بعض التصريحات المنسوبة لمعنيّين في قطاع المحروقات، ممّن تعمّدوا ربما الحديث عن “مخزون محدود”، لا يكفي سوى لأيام، وعن استيراد “مجمَّد”، نتيجة “تقلّبات” الأسعار عالميًا.
 
ومع أنّ المشهد بدا أقلّ “قسوة” في محال السوبرماركت، إلا أنّه لم يكن شديد البُعد، حيث سُجّل تهافت من المواطنين أيضًا، شمل بشكل رئيسي بعض السلع والمواد، التي سرت “إشاعات” بأنّها ستُفتقَد في الأيام القليلة المقبلة، خصوصًا في ضوء “استحالة” استيراد بعض المواد من أوكرانيا وروسيا، نتيجة الحرب الدائرة بينهما.
 
إنّها الحرب!
 
يقول البعض إنّ المشكلة هذه المرّة ليست مرتبطة بالواقع اللبنانيّ حصرًا، بل هي تعكس في حيّز كبير منها، أزمة “عالمية”، إذ إنّ ما شهده لبنان في عطلة نهاية الأسبوع، يُعَدّ من “ثمار” الحرب الروسية الأوكرانية، التي لا يعرف أحد مداها، في ظلّ مخاوف من “تمدّدها” إلى نزاع عالمي، بل حرب عالمية ثالثة، قد لا تكون “محسوبة” على الإطلاق.
 
ولأنّ الخبراء الاقتصاديّين حذروا منذ اليوم من تداعيات “وخيمة” لهذه الحرب على الاقتصاد العالميّ، الذي أصبح “في مرمى النار”، فإنّ مشهد “الطوابير” كان “نتيجة” لهذا الانطباع، وهذا الواقع، ولا سيما أنّ سوق النفط تشهد “اهتزازًا” على مستوى العالم ككلّ، في ظلّ “قفزة” في الأسعار، وسط مخاوف من “شحّ” في الإنتاج، قد لا يبقى بلد بمنأى عنه، إذا ما تطوّرت الأمور سلبًا في الميدان، وهو ما تَشي التطورات المتسارعة به حتى الآن.
 
ولعلّ ما يسري على النفط يسري على غيره من المواد والبضائع، وهو ما يفسّر “طوابير” محال السوبرماركت، وسط “كمّ من الإشاعات” التي انتشرت في اليومين الماضيين، عن “بضائع” ستقع في فخّ “الاحتكار”، بسبب غياب آليات بديلة لاستيرادها، من القمح إلى الزيت وغيرها، وهو ما جعل المواطنين يعمدون إلى شرائها بداعي “التخزين”، والمتاجر إلى “تقنين” بيعها، ولو أنّ معظم التجّار أكّدوا أنّ المخزون متوفّر لشهر بالحدّ الأدنى.
 
“أزمات مفتعَلة”
 
ومع أنّ هذه الأزمات المتفاقمة، التي بلغت أوجها في عطلة نهاية الأسبوع، قد تكون مرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، التي لا يزال الغموض يكتنفها، بغياب أيّ آفاق للحلّ على خطّها، إلا أنّها بقيت، برأي كثيرين، في شقّها اللبنانيّ بالحدّ الأدنى، “مفتعلة” إلى حدّ بعيد، أو “مضخّمة” بالحدّ الأدنى، وكأنّ هناك من أراد “إحياء” مشاهد الطوابير عن سابق تصوّر وتصميم، بعيدًا عن “نظرية المؤامرة”، ولو بدت صالحة في هذا السياق.
 
وهنا، يتحدّث البعض عن فكر “الاحتكار” الذي بات رائجًا لبنانيًا، والذي وجد الكثير من أصحاب “المصالح” أنّه “يُطعِم خبزًا” في ظلّ الانهيار الاقتصاد والأزمات المتلاحقة على كلّ المستويات، علمًا أنّ ظاهرة “الطوابير” باتت “عادية”، خصوصًا أنّ اللبنانيين باتوا، بعد كلّ ما مرّ عليهم، قادرين على “تصديق” كلّ شيء، وبالتالي “الانسياق” وراء كلّ الدعايات، ولو “شكّكوا” بها، إذ إنّ كلّ ما حصل معهم منذ احتجاز ودائهم، كان أشبه بقصّة خيالية لكنّها وقعت.
 
إلا أنّ ما بقي عاملاً مطمئنًا وسط كلّ هذه “المعمعة”، تمثّل بالحراك الحكوميّ والوزاريّ، حيث كان تأكيد من الوزراء المعنيّين بأنّ “لا أزمة حقيقية” على الأرض، وبأنّ المخزون متوفر من مختلف المواد، وأنّ “لا داعي للهلع”، وهو ما كرّسته جولات بعض الوزراء في نهاية الأسبوع، ولا سيما وزيري الطاقة والاقتصاد، والتي يُعتقَد أنّها ستُستكمَل بمتابعات أكثر جدية مع بداية الأسبوع، حتى لا يحصل “تطبيع جديد” مع مشهد “الطوابير” المذلّ.
 
لا يريد أحد من اللبنانيين أن تعود ظاهرة “الطوابير” بكلّ ما تحمله من “إذلال” للمواطنين، اعتقدوا أنّه ولّى إلى غير رجعة. وسواء كانت مشاهد عطلة نهاية الأسبوع ناتجة عن حربٍ لا ذنب للبنانيين بها، أو عن إشاعات يتحمّلون مسؤولية الترويج لها، فإنّ الأكيد أنّ حراك الوزراء المعنيّين، ومن خلفهم الحكومة ككلّ، يجب أن يضع حدًا للاحتكار، ويعيد الحدّ الأدنى من “الاستقرار” إلى الأسواق، من أجل “تقطيع” المرحلة بالتي هي أحسن!