في التاسع من آذار، يرثي المعلمون مهنة لا تجلب لهم سوى القلق الدائم من عدم القدرة على العيش. الظروف الاقتصادية والنفسية القسرية رمت بثقلها على أدائهم وإنتاجيتهم وأعادت ترتيب أولوياتهم. «كاد المعلّم أن يكون رسولا»… لكنه، أولاً وآخراً، ليس رسولاً.
دخول الصف بصورة طبيعية لم يعد أمراً ممكناً، «فالتعليم ليس استعباداً كي نؤديه تحت أي ظرف ومن دون أي شكوى»، كما تقول زهراء الطشم، أستاذة الفلسفة في التعليم الثانوي الرسمي، فيما «تمجيد التضحية» و«مديح الصبر» اللذان يتلازمان مع مناسبة العيد «باتا يفيدان النفاق والتخدير والتضليل»، بحسب تعبيرها.
الهموم تبدّلت لدى المعلمين، إذ «لم يعد طموحي تطوير كفاياتي كما كانت الحال لدى دخولي المهنة، ولا أكترث حالياً لتكرار المعلومة لترسيخها لدى التلامذة، بل صار هاجسي الوحيد إيجاد وظيفة ثانية تمكّنني من الاستمرار على قيد الحياة»، على ما يقول معلّم في التعليم الخاص.
معلّمون هجروا المهنة على الأرجح إلى غير رجعة وبحثوا عن خيارات أخرى. وبحسب أرقام وزارة التربية، فإن نحو 250 أستاذاً في الثانويات تقدموا بإجازات من دون راتب وطلبات استيداع وإنهاء خدمات. أستاذة متعاقدة في التعليم الأساسي الرسمي منذ 17 عاماً اختارت الانتقال للعمل في لفّ أوراق حبات الشوكولا مقابل 300 دولار، إذ لم يعد بمقدورها في كل مرة الانتظار 6 أشهر كي تقبض مستحقاتها. لم يتردد أحد المتعاقدين في مغادرة الصف عندما «بوكل» من كثرة التفكير في كيفية إطعام أولاده وفي جيبه 20 ألف ليرة فقط. ومع أن بدل ساعة التعاقد تضاعف من 20 ألف ليرة إلى 40 ألفاً، إلا أن «تكاليف النقل تقضم نصف المستحقات بالحد الأدنى»، بحسب رئيسة لجنة المتعاقدين نسرين شاهين التي أشارت إلى أن وعود وزير التربية عباس الحلبي بدفع بدل نقل يومي يوازي 65 ألف ليرة باتت في خبر كان.