فجأة ومن دون مقدّمات أصبح موضوع “الميغاسنتر” حديث كل الناس، وأصبح بالتالي أهمّ من إجراء الإنتخابات النيابية بحدّ ذاتها. فمن يريد أن يبصر هذا المشروع النور بأي ثمن ومن ضمن المهلة المتبقّية لا يريد حتمًا أن تجري الإنتخابات النيابية في موعدها الدستوري، أي في 15 أيار. مع العلم أن هذه المهلة غير كافية عمليًا ولوجستيًا وقانونيًا وماليًا وتقنيًا لإنشاء عشرة مراكز “ميغاسنتر” رئيسية في المدن الكبرى.
ومن يريد تأجيل هذه الإنتخابات، وعلى رأسهم “التيار الوطني الحر” ورئيسه النائب جبران باسيل ونوابه ووزراؤه، وهذا ما بدا جلّيًا في الإجتماع الأول للجنة الوزارية، يريد عمليًا نسف العملية الإنتخابية. ومن يريد نسف الإنتخابات يريد ضمنًا من دون الإعلان عن ذلك صراحة التمديد للمجلس النيابي الحالي، وبالتالي ضمان بقاء الأكثرية النيابية الحالية.فالتمديد بمفهومه الدستوري يعتريه أكثر من عيب في الشكل وفي الأساس. من حيث الشكل يُعتبر المجلس الحالي غير ميثاقي بالمعنى العام لهذه الكلمة، وليس بالمعنى الحصري أو التمثيلي، بإعتبار أن أغلبية النواب المستقيلين أو المتوفين هم من المسيحيين، بإستثناء النائب المستقيل مروان حماده والنائب المتوفي مصطفى الحسيني.
أمّا في الأساس فإن هذا المجلس مقبل على إستحقاق مفصلي، وهو إنتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفًا للرئيس الحالي ميشال عون في خريف هذه السنة، مع ما يحيط هذا الإستحقاق من علامات إستفهام حول مصيره وإمكانية إجرائه في موعده، خصوصًا أن الظروف التي سبقت إنتخاب الرئيس عون لا تزال قائمة، وإن إمكانية حصول فراغ في السدّة الرئاسية تبقى هي المرجّحة والأكثر إحتمالًا، مع ما يرافق هذه الأجواء من شائعات حول رفض رئيس الجمهورية تسليم البلاد إلى هذا الفراغ. أمّا إذا صفت النوايا وتم تحديد موعد لجلسة إنتخاب رئيس للجمهورية فإن البلاد ستقع من جديد في دوامة نصاب الجلسات، وهذا ما شكّل مادة خلاف دستورية في البلاد، والتي قضت بتحديد 35 جلسة من دون تأمين النصاب القانوني لها، يُضاف إلى هذه الإشكالية مسألة جدلية حول إحتساب التصويت، وهذا ما لم يحسمه المجلس الدستوري وأبقى الوضع الخلافي بين وجتهتي نظر على حاله.
على أي حال، كل هذه السيناريوهات تبقى واردة فيما البلاد تعيش أزمات متلاحقة ومتصاعدة، ولم يكن ينقصها سوى تداعيات الحرب في أوكرانيا لتزيد هذه الأزمات المعيشية تفاقمًا وحدّة، وتزدادالضغوات على اللبنانيين الذين لم يعد في إستطاعتهم تأمين ما يلزمه لكي يعيشون كل يوم بيومه، على رغم ما يُبذل من جهود من قبل الحكومة للتخفيف قدر المستطاع عن كاهلهم. فهل يستأهل موضوع “الميغاسنتر”، على أهميته، كل هذه “الخربطات” وكل هذه التداعيات السياسية، وربما الأمنية، والتداعيات المعيشية؟ هل تُستعاد السيادة ومعها الكرامة الوطنية، وهل تعود البحبوحة إلى بيوت اللبنانيين بمجرد إقرار مشروع “الميغاسنتر”؟ فإذا كان كل هذا واردًا حصوله فنحن مع هذه “الميغاسنتر”، ولتؤجّل الإنتخابات النيابية، أو بالأحرى ليمدّد للمجلس النيابي الحالي، ولتدخل البلاد في فراغ رئاسي جديد، وليبقى الرئيس عون على كرسي بعبدا. أمّا في حال النفي، وهذا هو المرجّح، فإن أولوية إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها يبقى أولوية الأولويات، وإن سقط مشروع “الميغاسنتر”.