شهدت البلاد امس مزيدا من التعقيدات في مشهد التأزم في أزمات المحروقات. والجديد في هذا السياق تمثل في عودة الدولار الى الارتفاع متزامنا مع ارتفاعات مطردة إضافية ومتواصلة في اسعار المحروقات.
وبحسب” الاخبار” إذا توقفت أسعار البنزين والمازوت عن الارتفاع وتجمّدت عند المستوى الذي بلغته أمس، أي 1400 دولار لطن المازوت و1200 دولار لطن البنزين، فإن سعر صفيحة المازوت قد يتخطّى 26 دولاراً، وسعر صفيحة البنزين قد يتخطّى 23 دولاراً. أما احتساب سعر الصفيحة بالليرة، فيحتاج إلى تنبؤ بسعر الصرف الوسطي بين سعر «صيرفة» وسعر الدولار في السوق الحرّة بعد بضعة أيام، ولا سيما أن سعر الدولار في السوق الحرّة عاد إلى الارتفاع اعتباراً من أول من أمس. لكن، عموماً، سيكون سعر صفيحتَي المازوت والبنزين أعلى من 500 ألف ليرة لكل منهما، وإذا سجّلت الأسعار العالمية ارتفاعات إضافية، فإن انعكاسات ذلك ستظهر سريعاً في الأسعار المحليّة أيضاً.
وعزا خبراء اقتصاديون عبر «البناء» ارتفاع سعر الصرف بعد أشهر من استقراره عند حدود معينة، الى المناخ السياسي والعسكري التصعيدي في العالم والحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع سعر برميل النفط عالمياً، إضافة الى أزمة القمح والزيت والمحروقات في الأسواق المحلية، ما تسبب بارتفاع الطلب على الدولار من قبل التجار لتأمين الكميات اللازمة للاستيراد بالتوازي مع رفض عدد كبير من الصرافين والمصارف بيع الدولار على منصة صيرفة التي توقفت لبعض الوقت لتوقعهم بصعود سعر الصرف لبيعه لاحقاً بأسعار مضاعفة وتحقيق أرباح إضافية. ورجّح الخبراء ارتفاعا إضافياً بسعر الصرف الذي لن يكون له حدود في ظل هذه الأحداث الذي يشهدها العالم والتي يمكن أن يطول أمدها لا سيما الحرب في أوكرانيا.
وكتبت” نداء الوطن”: توضح ورقة “الأزمة النقدية: تأثيرها على لبنان وأسبابها وسبل معالجتها”، الصادرة عن المعهد اللبناني لدراسات السوق “LIMS” أن سبب فشل تجربة سياسة التعويم الممسوك من المركزي مردّه إلى عدم توفر الشروط المسبقة لنجاح “التعويم الموجّه”. فمعدّل الدولرة المرتفع، والفجوة النقدية في مصرف لبنان يحدّان من قدرته على توجيه سعر الصرف. الأمر الذي يعقّد نجاح التعويم الموجّه قبل معالجة الأزمة المصرفية. ومع ذلك، وحتّى لو تمّت معالجة الأزمة المصرفية، فهذا لا يضمن استقرار سعر الصرف بسبب العوامل التالية: – غياب استقلالية مصرف لبنان، أي عدم قدرته على رفض تمويل عجز الموازنة العامة.
– استمرار الإنفاق العام من دون ضوابط .
– حالة عدم الاستقرار التي يعانيها لبنان. في ظل غياب المعالجات الجدية للأزمة المصرفية، والعجز عن تأمين الاستقلالية النقدية والتوازن المالي، وتثبيت الاستقرارين الأمني والسياسي، سيجد مصرف لبنان نفسه مضطراً إلى تخفيض سعر الصرف بشكل متكرّر. الدوران في هذه الحلقة المفرغة من الدعم وفشل الدولة في السيطرة على عجزها، يعطيان انطباعاً عاماً باستحالة الخروج منها. إلا أن الورقة المقدمة من “المعهد”، والتي أتت كخلاصة للتوصيات والملاحظات التي عرضها خبراء اقتصاديون وأصحاب اختصاص في سلسلة من اللقاءات الحوارية، وجدت أن الحل الوحيد للسيطرة على الانهيار، والذي يعطي دفعاً جدياً للبدء بالإصلاحات، يتمثل في “صندوق تثبيت القطع” currency Board، المعروف أيضاً باسم “نظام مجلس النقد”. إذ يلغي مجلس النقد السياسة النقدية ويغطّي الليرة بنسبة 100 في المئة بالدولار على سعر صرف ثابت، ما يحرر الليرة من جميع القيود. ويصدر مجلس النقد الليرة فقط عندما تطلبها السوق ويشتري الدولار مقابلها. ولا يحق له استعمال الدولار، المُحتَفظ به خارج لبنان، إلا حين يطلب حاملو الليرة استعادة دولاراتهم. ومع ثبات سعر الصرف وحرية حركة الليرة، تعود الشركات والمصارف إلى العمل الطبيعي، وتنخفض معدلات الفائدة وتعود التدفقات المالية مدعومة بهوامش الفائدة وتدنّي أسعار الأصول المحلية، فتنتعش القطاعات المنتجة. ولا يحتاج مجلس النقد إلى أي إصلاح مسبق، بل يمكنه إنهاء الأزمة النقدية في ظرف 30 يوماً.