“النأي بالنفس” لا يكون على “القطعة”… هذا ما يريده “حزب الله”

12 مارس 2022
“النأي بالنفس” لا يكون على “القطعة”… هذا ما يريده “حزب الله”


قد تكون مسألتا “النأي بالنفس” و”الحياد” من بين المواضيع الكثيرة التي لا يتوافق عليها اللبنانيون، والتي تشكّل مادة خلافية بين فريقين منهم على الأقل. الفريق الأول، يدعو إلى أن يكون “النأي بالنفس” عن صراعات المنطقة عنوانًا رئيسيًا للسياسة الخارجية، وذلك لكي لا يضطرّ أن يكون لبنان طرفًا في أي صراع في منطقة متحرّكة وتعيش حالات مضّطربة متتالية ومتوالية، وذلك نظرًا إلى عكسته الحرب في سوريا والحرب في اليمن والوضع غير المستقرّ في العراق من إرتدادات على دول المنطقة.  

ويأتي متزامنًا مع هذا الطرح المبدئي طرح آخر للبطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، الذي دعا إلى إعتماد سياسة “الحياد” بمفهومه الإيجابي وليس السلبي، أي أن يكون هذا البلد الصغير، جغرافيًا وتأثيرًا وتأثرًّا، غير معني بما يجري من حوله من نزاعات وخصومات، بإستثناء الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية بكل ما لديه من إمكانات، وأهمها القنوات الديبلوماسية. فلبنان كان ولا يزال من بين أبرز المدافعين عن الشعب الفلسطيني لإستعادة حقوقه المسلوبة وتقرير مصيره وحقّه الطبيعي بدولة مستقلة ذات سيادة غير منقوصة. 
أمّا الفريق الثاني فيرى في سياسة “النأي بالنفس” أو “الحياد” سياسة منحازة لمحور واحد، وهذا ما أعلنه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، في إطلالته الأخيرة، معلنًا أن الحزب ضد سياسة “النأي بالنفس”، وقال: “ليس هنالك داعٍ لأن يلزم نفسه لا بالنأي بالنفس ولا بعدم النأي بالنفس، يجب أن ‏يضع أصولاً ينطلق منها بالمواقف. هنالك مواقف يجب أن يأخذها وهنالك مواقف يجب أن يمتنع عنها، وهنالك ‏مواقف يجب أن يصمت حيالها، وهنالك مواقف يجب أن يرفع صوته فيها. ليس هنالك شيء اسمه على طول الخط ‏حياد ونأي بالنفس، ولا شيء اسمه على طول الخط تدخل وإعلان موقف لهذا الطرف أو لذاك الطرف، كل ‏شيء له حسبته”. ‏ 
 هناك من قرأ كلام السيد نصرالله من زاوية مختلفة، إذ إعتبر أن “النأي بالنفس” هي تمامًا كتوافق اللبنانيين في زمن الإستقلال على معادلة “لا للشرق ولا للغرب”. وهذا يعني أن لبنان بقدراته الذاتية غير قادر على التأثير في أي تطور على المستويين الإقليمي والدولي، ويعني أيضًا أن لبنان يرفض أي تدّخل في شؤونه الداخلية من أي جهة أو دولة أتى، سواء أكانت غربية أو عربية أو أي دولة أخرى. 
ولكن هذا لا يعني في الوقت نفسه أن يقف لبنان مكتوف الأيدي عندما يرى أن كيانًا ما أو دولة ما، قريبة كانت أم بعيدة، تخرق شرعة حقوق الإنسان ولا تأخذ في الإعتبار حرية الشعوب في تقرير مصيرها. فكما أن لبنان يقف إلى جانب الحق الفلسطيني ويطالب المجتمع الدولي بوضع حدّ للغطرسة الإسرائيلية وعربدتها، كذلك لا يمكنه أن يقف على الحياد عندما يرى أي دولة تعتدي على سيادة دولة أخرى، بغض النظر عن مدى تأثير الموقف الذي يمكن أن يتخذه لبنان على علاقته بهذه الدولة المعتدية. 
أمّا أن يُطلب من لبنان أن يكون طرفًا في النزاعات الحاصلة في المنطقة، سواء في سوريا أو في العراق أو في اليمن، فإن من شأن ذلك أن يحرفه عن المبادىء التي طالب بها عندما شارك في وضع شرعة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، عبر الدكتور شارل مالك.  
فكما أن لبنان يرفض أن يتدّخل الآخرون في شؤونه الداخلية فهو بالتالي لا يسمح لنفسه بالتدّخل في شؤون غيره. وبذلك يستطيع أن يكون على مسافة واحدة من الجميع في نزاعاتهم، وذلك مخافة أن يذهب “فرق عملة” في حال توصّل المتنازعون إلى تسويات تكون في الأغلب على حساب الآخرين، أو بالأحرى على حساب الحلقات الأضعف. 
فهذه الجدلية قائمة تمامًا كالجدلية حول إستراتيجية الدفاع وهوية لبنان وحصرية السلاح، وستبقى قائمة إلى أن يقرر اللبنانيون وضع مصلحة لبنان أولًا قبل أي مصلحة أخرى كأولوية لا تعلو عليها أي أولوية أخرى.