منذ فترةٍ طويلة، بدأت “ماكينات” القوى السياسيّة الاعلاميّة برفع شعاراتٍ وإطلاق مواقفَ تخدم الخطّ السياسيّ لها. حتماً، الأمرُ هذا مفروغٌ منه تماماً لاسيما أنّ كل جهة تسعى للحفاظ على وجودها في ظلّ الاستحقاق المُقبل.
واقعياً، فإنه من الطّبيعي دائماً أن يلجأ كلّ فريق لرفع شعارٍ انتخابي، شرط أن يكون مقروناً ببرنامجٍ واضح المعالم. إلا أنّ هذه النقطة كانت مفقودة تماماً، وما زالت، لدى مختلف القوى السياسيّة، إذ تحوّل خطابها وشعارها “تحريضياً” و”مذهبياً” في مختلف الحقبات الانتخابيّة، وتحديداً بعد العام 2005 إبّان اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
من دون أدنى شك، تخوض الأحزاب والتيارات السياسية الأساسية هذه المرة، وأكثر من أي وقت مضى، معركة إثبات الوجود ضمن بيئتها، ولهذا بدأت تُبادر نحو إطلاق شعاراتٍ تؤجج مشاعر الجمهور بأنه ثمة من يسعى إلى الانقاض عليه. نعم، الأمرُ هذا يتكرّر على أكثر من جبهة، وكأنّ الانتخابات هي ساحة حربٍ والخسارة فيها ممنوعة لأن العواقب ستكونُ وخيمة.
بالنسبة لـ”الثنائي الشيعي” وتحديداً “حزب الله”، يبدو الشعار واضح المعالم منذ اندلاع ثورة 17 تشرين عام 2019، ويتمثل بأن “الهجمة الأميركية والإسرائيلية كبيرة على بيئة المقاومة، في حين أن السفارات تفعل ما بوسعها لضرب الطائفة الشيعية، ويجب الالتفاف ونصرة “الثنائي الشيعي” للبقاء وإثبات الوجود وإلا فان الخسارة كبيرة والانقضاض على المقاومة لإنهائها سيحصل”.
عملياً، فإن الشعار لا يرتبطُ ببرنامجٍ واضح خصوصاً أن هناك الكثير من المناطق في البقاع والجنوب تطالب “الثنائي الشيعي” وخصوصاً “حزب الله” بتنفيذ وعود انمائية كان أطلقها في العام 2018 مع الانتخابات الماضية. ولهذا، تكشف الساحة الشيعية أن الشعارات الوجوديّة مقبولة، شرط أن تكون مقرونة بأفعالٍ انمائية تعزّز الارتباط بالثنائي الشيعي بالدرجة الأولى.
على صعيد “التيار الوطني الحر”، فإنّ الشعار يكمنُ في الآتي: “دولة مدنية، ومنع الهجمة ضد التيار ورئيسه النائب جبران باسيل، الحفاظ على مدرسة ونهج الرئيس ميشال عون، اللامركزية الإداريّة، المحاسبة، التدقيق الجنائي واسترداد الأموال المنهوبة.. وغيرها”.
في ما خصّ البنود التي يطرحها “الوطني الحر”، فإن بعضها يعتبرُ مطلوباً ويجب تحقيقه، ولكن الممارسة العمليّة خلال السنوات الماضية ضمن الحكومات وفي مجلس النواب، لم تُكرّس كل هذه الشعارات والعناوين بالشكل الفعلي والمطلوب. وهنا، فإنّ الكلام الذي يُقال فوراً إنه “ما خلونا، والهجمة علينا كبيرة وكل ما نطرح شيء بتم العرقلة”.
فعلياً، فإن هذا الكلام هو لسان حال كل من ينتمي للتيار الوطني الحر أو يسيرُ على نهجه، لكن العبرة اليوم في التطبيق وسط نظام طائفيّ.. وفي حال اتخذ القرار بتطبيق المحاسبة للجميع فقط، فإنّ “التيار” سيخضع لها وقد تدخل شخصيات محسوبة عليه السّجن.. فهل سيقبل بذلك؟
على صعيد “القوات اللبنانية”، فإن شعارها واحد يستهدف “حزب الله، جبران باسيل ومحور الممانعة”، في حين أنها تؤكد على أهدافها ببناء الدولة المستقلة القائمة على الحياد.
وهنا، فإن ثمة وجهة نظر تقول بأنّ “القوات” تتحدث بلسان الكثير من اللبنانيين الراغبين بالتخلص من أي نفوذ خارجي، في حين أن هناك وجهة نظر أخرى تعتبرُ في نمط “القوات” طريقاً نحو إلغاء أطراف سياسيّة عبر معركة الانتخابات. وهنا، يطرح السؤال الأساس: هل ستشارك “القوات” في السلطة مع الأحزاب الأساسية الباقية بعد الانتخابات؟ وهل ستتعامل مع الأقطاب الكبرى على أنها أمر واقع؟
على صعيد الحزب “التقدمي الإشتراكي”، فإنّ الخلفية في الشعارات واضحة ومعروفة: “الحفاظ على وحدة الطائفة الدرزية، العدالة الاجتماعية، السيادة، العروبة والوطنية، وصون المختارة والحفاظ على الجنبلاطيّة مهما كلف الثمن”.
عملياً، فإن الشعارين القويين اللذين يبرزان اليوم هما: وحدة الطائفة والحفاظ على الجنبلاطية. فمن وجهة نظر زعيم “الإشتراكي” وليد جنبلاط، فإن هناك هجمة ضده لتحجيمه، وهذا الأمرُ كافٍ لمناصريه ومؤيديه بالذهاب إلى صناديق الاقتراع وانتخاب لائحته. أما الأمرُ المرتبط بوحدة الطائفة، فقد كرّسه جنبلاط في عاليه عندما ظلّ يتركُ مقعداً درزياً للنائب طلال أرسلان. أما في الشوف، ورغم أن المعركة حادة بين الوزير السابق وئام وهاب وجنبلاط، إلا أن الركون دائماً يكون للحفاظ على البيت الواحد وصونه من الانهيار، وهذا ما يؤكده وهاب في مجالسه عندما يقول: “كل هجمة على المختارة سنقاومها، ولكننا لا نقبل بإلغائنا”.
أما عندما يتعلق الأمر بـ”تيار المستقبل”، فإنّ الشعار الذي حمله الرئيس سعد الحريري كان مرتبطاً بمسيرة والده. وواقعياً، يرى البعض في قاعدة “المستقبل” الشعبيّة أنّ المسار الذي سلكه الحريري كان انحدارياً بعض الشيء، رغم صدق نوايا الرجل وعمله الدؤوب وطنيا وحزبيا، وذلك بسبب بعض التسويات الملزمة والتي أرهقته .
مع هذا، كان الحريري واضحاً في خياراته منذ البداية باتخاذ جبهة الممانعة كخصم أول له، لكنه راعى التوازنات الداخليّة ومنع الاقتتال السني – الشيعي عبر انشاء ربط نزاع مع “حزب الله”. الأمرُ هذا يُحسب للحريري دائماً ولا يمكن أبداً نكران أهميته، ومن الممكن أن يكون ذلك قد كلفه الكثير على الصعيد الشخصي، لكنه جنّب لبنان معركة حامية لا تنتهي.
واليوم، يسعى الرئيس فؤاد السنيورة إلى استكمال مسيرة “المستقبل” خلال الانتخابات المقبلة رغم معارضة الحريري لأي مشاركة فيها. وهنا، فإن الشعار الأساس البارز حتى الآن هو: “مواجهة حزب الله، الحفاظ على إرث الطائفة السنية ومنعها من التشتت، والسعي للإبقاء على المستقبل مهما كلف الأمر”. والسؤال اليوم الذي يُطرح، كيف سيخوض السنيورة الانتخابات وهل سيتمكن من استقطاب الناس حوله وسط غياب الحريري؟