لمنع تلوث مصادر المياه وحماية النظم البيئية

14 مارس 2022


عقدت اليوم في القاعة الخضراء في وزارة البيئة ورشة عمل، بالتعاون مع مؤسسة “هانز زايدل” الالمانية، تحت عنوان “أي تقييم استراتيجي لسياسات المياه في لبنان؟”، شارك فيها وزير البيئة ناصر ياسين، مساعدة الممثل الاقليمي للمؤسسة الالمانية ومديرة برامج في لبنان وسوريا والاردن علا شريده، ممثل المؤسسة في لبنان أنطوان غريب ومنسق الورشة حبيب معلوف وخبراء في شؤون البيئة والمياه وممثلون عن جمعيات بيئية.

 
معلوف
استهل معلوف الورشة بكلمة قال فيها: “تطورات كثيرة حصلت في ملف المياه منذ أكثر من عشر سنوات لم تعلن وزارة البيئة موقفها رسميا منها ولا مرة. كما كلفت شركة بالقيام بتقييم بيئي استراتيجي لسياسات المياه عام 2012  لم تكن وافية ولا استراتيجية ولم تخضع لأي نقاش جدي شامل. وبعد إعادة طرح إحياء سد بسري في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة وقبله إعادة طرح تمويل سد بريصا الذي فشل في جمع المياه…كان لا بد من وقفة شاملة أمام هذا المورد الحيوي الهام، المعرض للتلوث بشكل خطير ولارتفاع اسعار تأمينه نقيا بشكل اخطر”.
 
اضاف: “لطالما احتل مشهد إدارة المياه في لبنان الصراع بين المستثمرين في المياه وليس صراعا بوصفه مسؤولية الدولة في حماية هذا المصدر وحسن وعدالة توزيعه. وقد تم اختصار الصراع بين مستثمرين في انشاء السدود السطحية ومستثمرين في حفر الآبار الجوفية لتأمين المياه. والخياران وحدهما في ادارة هذا المورد مدمران ولا ينمان عن عقل استراتيجي وخيارات بعيدة عن مصالح الاستثمار. فدور الدولة ووزارة البيئة تحديدا، وقبلها وزارة الطاقة والمياه، التذكير بأن المياه هي جزء من الانظمة الايكولوجية التي تجعل من هذا المورد متجددا باستمرار، وان أي خطط تتعارض مع هذه الانظمة الايكولوجية تكون غير صالحة ويفترض تجنبها. وهذا هو المبدأ الأساسي الذي يفترض تبنيه في الاستراتيجيات والخطط والقوانين والذي يؤكد أن المياه ملكية عامة وهي حق من حقوق كل إنسان كالهواء وما على الإدارات الرسمية سوى حمايتها وحسن توزيعها وترشيد استخدامها”.
 
وتابع: “لذلك يجب التدقيق أولا في المعطى من الطبيعة الذي تستند اليها الاستراتيجية، وقد توقفت وزارة الطاقة والمياه منذ السبعينات عن القيام بمسوحات وقياسات منهجية وشاملة للمياه المتوفرة سطحيا، ولم يعد يعرف ما هو حجم السحب من المياه الجوفية حين تجاوز عدد الآبار الخاصة غير المرخصة والمراقبة بعشرات الاضعاف تلك المرخصة. فكيف نتحدث عن نقص وحاجة الى السدود المكلفة ونحن لا نعرف بالضبط حجم المياه المتدفقة من الينابيع ولا حجم المياه المسحوبة من جوف الارض ولا تلك المعبأة وتجارتها، ولا من أين يأتي اصحاب “السيترنات” بالمياه طيلة السنة، ولماذا تتوفر المياه في “السيترنات” ولا تتوفر في الحنفيات؟ واذا كانت مياه الصرف تعتبر المسبب الأول في لبنان لتلوث المياه العذبة، لماذا لم يتم منح الاولوية في الاستراتيجية لمعالجة هذه الآفة على انشاء السدود، بالاضافة الى اولوية معالجة الهدر في الشبكات والسرقة والاتجار في شتى الطرق؟”.
 
وختم: “من هذا المنطلق، تعقد وزارة البيئة ورشة عمل تناقش فيها الخيارات والمواقف المفترض اتخاذها تجاه خطط المياه عموما والسدود خصوصا، في ضوء رؤية الوزارة ودورها، من خلفية أن المياه تعتبر جزءا من نظام ايكولوجي أشمل ولا يفترض مقاربة السياسات المتعلقة بادارة هذا القطاع إلا من ضمن انسجامها مع هذا النظام وحماية مصادر هذه المادة الحياتية والحيوية وحقوق الناس والأجيال القادمة في الوصول إليها نقية معدنية وصحية وخالية من التلوث”.
 
شريده
ثم تحدثت ممثلة مؤسسة “هانز زايدل”، فأعربت عن سرورها للمشاركة في ورشة العمل، وقالت: “يسعدني أن أكون معكم في الورشة الثالثة التي تنظم هذا العام بالتعاون مع وزارة البيئة. وفي الحقيقة ما أسعدني أكثر أنني التمست وجود توجه جديد في الوزارة يتناول قضايا في الجوهر على مستوى الاستراتيجيات والسياسات وفيها تنويع للأداء وشمولية لكل الاطراف كما هي الحال مع التنوع البيولوجي الذي نسعى إلى حفظه”.
 
وأكدت “أننا سعداء بتناول موضوع حيوي مثل المياه من خلفية بيئية معكم وهي مقاربة جديدة نتمنى لها النجاح والانتشار على المستوى العربي عموما”.
 
وختمت “بإسمي وبإسم مؤسسة “هانز زايدل” الالمانية نتقدم بالشكر الجزيل لمعالي الوزير وللاستاذ حبيب معلوف لرعايتهم هذه الورشة”.
 
ياسين
ثم كانت كلمة وزير البيئة قال فيها: “نقارب اليوم موضوع المياه، وهو موضوع حيوي واستراتيجي في لبنان، ونفتح النقاش حوله كوزارة تضع نفسها وجهودها في قلب حماية الانسان وصحته العامة وحماية بيئته وانظمته الايكولوجية. ونريد أن نولي موضوع المياه أولوية خاصة مع التأثيرات الكبيرة للأزمة المالية والاقتصادية على قطاع المياه وعلى قدرة الناس في لبنان من الوصول والحصول على حياة آمنة. وهنا أشير الى احصاءات اليونيسف التي تقدر ان 1.7 مليون شخص في لبنان يحصلون على 35 ليترا من المياه، وهذا انخفاض كبير عن المعدل الوطني قبل الأزمة”.
 
اضاف: “ننظر في موضوع المياه من 3 زوايا:
 
أولا: من ناحية نوعية المياه، والعمل على رفع التلوث عنها حيث أدى التصريف المفتوح لمياه الصرف الصحي الى تلويث الأنهر والبحر بشكل كبير، وتختلط مياه الصرف الصحي بمياه الأمطار والصرف الصناعي ما يزيد مستويات التلوث، وأضف الى ذلك النفايات الصلبة والتلوث الناتج عن الزراعة عبر الاستخدام المكثف للمبيدات الزراعية والأسمدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر ارتفاع مستوى النترات في المياه الجوفية في معظم آبار البقاع وكذلك في الليطاني، هذا النهر الذي تحول من نعمة الى نقمة لأهل البقاع والجنوب.
 
ثانيا: من زاوية الاحتراس والوقاية، والتأكد من صوابية الخطط والمشاريع في قطاع المياه وأثرها المحتمل على البيئة والأنظمة الايكولوجية والنظر في البدائل العديدة الموجودة قبل الشروع في مشاريع باهظة بكلفتها البيئية وارهاقها الخزينة العامة وجيوب اللبنانيين، والسؤال هنا كيف نحسن من كفاءة استخدام الموارد المائية وادارتها بشكل سليم.
 
ثالثا: من الناحية الاستراتيجية، مقاربة موضوع المياه كجزء من النظام البيئي الذي سنعمد الى حمايته والمحافظة عليه، واستدامة استخدام النظم المائية لتأمين وصولها للأجيال القادمة، وهذا ليس بالامر النظري، فمن المتوقع ان تؤثر التغيرات المناخية بشكل سلبي على الموارد المائية في لبنان مرتبطة بالارتفاع المتوقع لدرجات الحرارة (102-107) خلال الـ40 سنة المقبلة، حيث ينخفض هطول الامطار بنسبة بنسبة 4 الى 11 بالمئة وتنخفض مدة بقاء الثلج من 115 أو 110 يوما الى 45 يوما. والمقصود، ان تغير المناخ يجب أن يعيد النظر بكثير من الاستراتيجيات التي كانت موجودة في السنوات الماضية”.
 
واوضح ان “المقاربة هنا استراتيجية لتعزيز الأمن الغذائي في لبنان، ونحن نشهد الآن احدى تجلياته بالاعتماد الكبير على الاستيراد ومن ناحية أخرى الاستخدام غير المنظم للري الذي يستخدم اكثر من 60% من المياه في لبنان”.
 
وتابع وزير البيئة: “قيل في لبنان خزان الشرق الأوسط المائي، لكن مياهنا ملوثة، ادارتها سيئة، ومقاربتها غير مستدامة. فلنعمل سويا على بناء بداية جديدة لقطاع المياه نبني على الركائز الثلاثة:
1-     حماية مصادر المياه ورفع التلوث عنها.
2-    حوكمة رشيدة/إدارة أكثر كفاءة للموارد المائية قبل الشروع في المشاريع الكبرى. 
3-    النظر الى موضوع المياه كجزء من النظام البيئي وحمايته من الادارة السيئة والتأثيرات المتوقعة للتغير المناخي”.
 
وختم: “اليوم هو بداية النقاش وسيتبع بالاستشارات القائمة مع وزارة الطاقة والمياه، ومجلس الانماء والاعمار والشركاء الدوليين في إطار التقييم البيئي والاجتماعي الاستراتيجي لخطة المياه”.
 
وأعقب جلسة الافتتاح جلسات مناقشة عن تعديل قانون المياه والاطار الاداري الأنسب وعن أثر تغير المناخ على الموارد المائية وكيفية التكيف معها ومراجعة للاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه، تحدث فيها عدد من الخبراء.