بعدما أقفل باب الترشيحات ليل 15 الجاري، أي قبل شهرين من موعد الإستحقاق الإنتخابي، يمكن القول أن المعركة الإنتخابية قد بدأت بالفعل، وهي معركة تشكيل اللوائح كمرحلة أولى، وذلك قبل إنتهاء المهلة في 4 نيسان المقبل، بحيث تصبح الصورة أكثر وضوحًا بالنسبة إلى توقّع النتائج، التي يبدو أنها ستكون نسخة منقّحة عن نتائج إنتخابات العام 2018، ولكن مع فارق طفيف مع دخول لوائح المجتمع المدني أو “قوى التغيير” ميدان المنافسة ضد الأحزاب والتيارات السياسية التقليدية، وذلك بسبب ما يعتري القانون النسبي من ثغرات يمكن تفصيلها على الشكل التالي:
أولًا، غياب المساواة في تقسيم الدوائر، بحيث تم تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، التي جاءت لتراعي في المقام الأول القوى السياسية والطوائف التي تمثّلها.
فهذه الآلية أثارت مشكلتين رئيسيتين: الأولى أن هذا القانون يفتقد إلى وحدة المعايير في تقسيم الدوائر، والثانية، تكريس عدم المساواة في عدد المقاعد وبالتالي في قوة الصوت الانتخابي لكل مواطن، فكان التفاوت واضحًا من حيث تقسيمها الإداري وحجمها.
ففي بعض المحافظات تمّ إعتماد دائرة انتخابية واحدة في المحافظة الواحدة كحالة دائرتي عكار وبعلبك- الهرمل، وهناك المحافظة التي قسمت إلى دوائر صغرى كمحافظة النبطية التي قسمت إلى ثلاث دوائر صغرى. كذلك نجد الأقضية التي شكلت بحد ذاتها دوائر كأقضية بعبدا والمتن وزحلة. كما ثمة دوائر نتجت عن تقسيم قضاء إلى أكثر من دائرة، كما حصل مع قضاء صيدا الذي قسم إلى دائرتي جزين ودائرة صور- الزهراني.
ثانيًا، آلية احتساب اللوائح المتأهلة لجهة ارتفاع الحاصل الانتخابي. فبحسب المادة الأولى من القانون، إنتقل لبنان إلى اعتماد النظام النسبي لتوزيع المقاعد على القوى السياسية المختلفة. وقد حدّدت المادة 98 كيفيّة توزيع المقاعد على اللوائح التي عليها تجاوز عتبة الحسم المحدّدة بالحاصل الانتخابي (مجموع المقترعين في الدائرة مقسوماً على عدد المقاعد النيابيّة).
فمسألة الحاصل الانتخابي هي من أهم المسائل التي قوّضت النسبية في هذا القانون. فالحاصل الانتخابي هو السقف أو العتبة الانتخابية الذي يتوجب على اللائحة أن تحصل عليها كي تتمكن من الفوز بمقعد أو أكثر. بمعنى أنه يتم استبعاد اللائحة التي لم تحصل على هذا الحاصل تماما، فلا تحصل على شيء.
وقد تم احتساب الحاصل الانتخابي في هذا القانون من خلال قسمة عدد المقترعين بأصوات صحيحة على عدد المقاعد في الدائرة. ونتيجة لهذه القسمة أو نتيجة للرقم الذي نتج عن هذه القسمة، يُحدد الحاصل الانتخابي الذي يتم على أساسه توزيع المقاعد. فمن حصل على حاصل واحد، يفوز بمقعد، ومن حصل على أكثر من حاصل، يفوز بأكثر من مقعد. وعليه، من شأن هذه النسبيّة أن تؤدي إلى إقصاء الأقليّات في بعض الدوائر.
ثالثًا، آلية الاقتراع بالصوت التفضيلي وآلية اختيار الفائزين من كل لائحة. ففي المرحلة الأولى، يتم توزيع المقاعد على أساس النسبية على اللوائح التي تمكنت من الحصول على أصوات مقترعين تزيد عن الحاصل الانتخابي (اللوائح المؤهلة). ومن ثم ندخل في المرحلة الثانية، التي يتم فيها تحديد أسماء المرشحين الناجحين في كل لائحة.
لهذه الغاية، يتم تنظيم قائمة واحدة من الأعلى إلى الأدنى وفقا لما ناله كل مرشّح من النسبة المئوية للأصوات التفضيلية في الدائرة الصغرى. وتحتسب النسبة المئوية من الأصوات التفضيلية لكل مرشح على أساس قسمة أصواته التفضيلية على مجموع الأصوات التفضيلية في الدائرة الصغرى، علما أنه يتمّ احتساب الصوت التفضيلي على مستوى الدائرة الصغرى لا على مستوى الدائرة الانتخابية.
رابعًا، حوّل القانون الحالي المعمول به المعركة التنافسية بين اللوائح إلى معركة داخل اللائحة الواحدة، حيث بات الهمّ الوحيد للمرشح، حتى ولو كانوا من الحزب نفسه، إسقاط غيره حتى يربح هو. وهذا الأمر شهدناه في أكثر من دائرة، وهو مرجّح حصوله بقوة هذه المرّة، وبالأخصّ بالنسبة إلى المرشحين الرئيسيين.
خامسًا، حرم هذا القانون الناخب حقّه في تشكيل لائحته الخاصة به، وهذا ما كان يفعله في القانون الأكثري، على رغم ما فيه من عورات.
وهكذا نجد أنفسنا أمام قانون غريب عجيب. هو من جهة نسبي شكلًا، ولكنه أكثري في المضمون أكثر من أي قانون آخر.