نظرة مختلفة إلى مسيحيّي المنطقة

21 مارس 2022
نظرة مختلفة إلى مسيحيّي المنطقة


كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”:منذ زيارة وزير خارجية الفاتيكان بول غالاغر لبيروت، مطلع شباط الفائت، وكلامه في لقاءات بعيداً عن الإعلام حول حزب الله كجزء أساسي من لبنان واللبنانيين وبضرورة «طمأنته» داخلياً ودولياً، تعاطت القوى المسيحية مع ما نُقل عنه، إما بإنكار تام أو بمحاولات استكشاف خجولة. وعكس هذا التخبّط جهلاً بحقيقة الكواليس الفاتيكانية، وكيف وصل غالاغر إلى هذه الخلاصة، بعدما تنامى تأثير تيارات لبنانية، كنسية ومدنية، في مواقع القرار في الفاتيكان. ومقابل التلهّي بالمقاعد النيابية وتركيب اللوائح واستجرار عروض مالية من دول عربية، كان المسار الذي عبّر عنه غالاغر يأخذ مكانه الطبيعي داخلياً وفي الفاتيكان. وتأتي الزيارة غير التقليدية لرئيس الجمهورية ميشال عون إلى الفاتيكان اليوم، لتضع الواقع المسيحي، الكنسي والسياسي، على مشرحة واقعية.

لم تتمكن الكنيسة المارونية، رغم ما يعرفه أساقفة فيها وبعضهم متصلون بالفاتيكان أو بالسفارة البابوية التي باتت تُعد أقرب إلى فكرة بكركي التاريخية، من تغيير النظرة الفاتيكانية الجديدة إليها، ولا من فرض رؤية سياسية مغايرة. فقد زار البابا فرنسيس مصر والإمارات والعراق، متخطّياً الكنيسة المارونية. فيما زار الراعي السعودية، ويزور مصر، ولكن من دون أن تكون لهذه الزيارات فاعلية الاستمرارية والثبات على رؤية موحّدة ودينامية متكاملة. وليس أمراً عابراً أن يقف غالاغر في بكركي ضد طرحها الحياد، بغضّ النظر عن عبثية الطرح والمبرّرات التي قدّمها لرفضه.
ما حصل في السنوات الأخيرة من تفاعل فكرة «المشرقية» و«حلف الأقليات» وكلام غالاغر أخيراً، فتح أبواباً لفريق مسيحي على حساب آخر. انتعشت آمال مسيحيي 8 آذار على أساس أن الفاتيكان ناخب أساسي في الاستحقاق الرئاسي، وفي تعزيز الفكرة التي عمل عليها التيار الوطني الحر تحديداً. وفي المقابل، افتقد فريق القوى والأحزاب المسيحية المعارضة إلى أي حضور خارجي. فإذا كانت السياسة الخارجية ترسمها الحكومة والعهد الذي يعبّر، بواسطة مدنيين وأساقفة في الفاتيكان وخارجه، عن رؤيته لوضع المسيحيين في لبنان والمنطقة، فإن الحضور المسيحي «المعارض» خارجياً لا يُذكر، من دول المنطقة إلى الغرب الأوروبي والأميركي. كل تحرك هذه القوى انتخابي، ينحصر بحشد الأصوات الاغترابية أو الدعم المالي. وما يُطبخ في دوائر سياسية وكنسية بعيدة عن توجه بكركي لافت، بقدر ما هو لافت غياب القوى المعارضة عن أي مواكبة عملانية. فهل يمكن معالجة هذا التطور الخطير كنسياً برسالة إلى البعثة الديبلوماسية الفاتيكانية وقت كان عون يعدّ حقائبه لزيارة البابا. وكيف يمكن أن يزور غالاغر، مثلاً، قائد الجيش المرشح للانتخابات الرئاسية، فيما القوى والأحزاب المسيحية منشغلة بالتحضير للانتخابات؟
اليوم يلتقي البابا عون. لن تنفي المعارضة الخبر. وفيما الحوار المتشعّب من لبنان إلى المنطقة يجري في الفاتيكان كما فرنسا، ستضع المعارضة رأسها في الرمل، وتنصرف إلى تركيب لوائح الانتخابات.وكتبت” نداء الوطن”: الأكيد أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون لن يصارح البابا فرنسيس اليوم بالحقيقة المُرّة وتجلياتها “الجهنمية” على اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً، فلن يقول له مثلاً إنّ عهده سجّل “تسونامي” هجرة مسيحية قياسية من لبنان، ولا إنّ عاصمة الجمهورية الوحيدة في الشرق التي يرأسها مسيحي تحولت خلال عهده إلى واحدة من عواصم “الحرس الثوري “، ولا إنّ تياره الذي بنى أمجاده على شعارات تقوية الدولة وحماية المسيحيين انتهى إلى تعزيز سطوة الدويلة على الدولة وتهديد الكيان بالزوال ووضع المسيحيين في حماية محور الممانعة وزجهم في حلف يعادي العرب والغرب، يبدأ من “حزب الله” في لبنان ولا ينتهي عند الحوثيين في اليمن… بل على العكس من ذلك، الرئيس عون عازم على طمأنة البابا إلى أنّ “المسيحية في لبنان ليست في خطر ولبنان ليس بزائـــل” كما أكد لدى وصوله روما أمس.أما الصورة الواقعية عن لبنان، فعبّر عنها البطريرك الماروني بشارة الراعي أمس من مصر حيث وضع الرئيس عبد الفتاح السيسي في حقيقة الأوضاع الداخلية، فأكد له أنّ “لبنان مريض ونحن بحاجة إلى علاج لمرضه” متطرقاً معه إلى مشاكل لبنان المتمثلة بعدم ‏تطبيق إتفاق الطائف وعدم الحياد وعدم اعتماد استراتيجية دفاعية لحل مشكلة سلاح “حزب الله”، ‏مبدياً أسفه لأن “لبنان أصبح منعزلاً عن العالم والحلول ليست ‏في يد اللبنانيين وحدهم لتطبيقها إنّما هناك دور للعرب والمجتمع ‏الدولي”. واليوم ستكون للراعي زيارة هي الأولى لبطريرك ماروني إلى جامعة الدول العربية، لحث الدول العربية على دعم لبنان، حاملاً بهذا المعنى رسالة رعوية وطنية باسم اللبنانيين إلى العرب مفادها: “لبنان عضو مؤسس في الجامعة العربية فلا تتركوه ولا تتخلوا عن مساعدته في محنته”.