كانت لافتة الايجابية التي أحاطت بالعلاقة السعودية – اللبنانية في الأيام القليلة الماضية والتي بدأت توحي بأنّ وضع لبنان مع دول الخليج سيسلك مساراً متوازناً وثابتاً إن لم يكن سريعاً من الآن الى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
ولعلّ عودة دول الخليج لاحتضان لبنان مرتبطة بشكل مباشر برغبتها بعدم حصول فراغ في الساحة السنية، إذ أدركت،ربما، أنّ أداء بعض القوى المحليّة وتعمّدها سياسة التصعيد المتواصل هو محاولة لدفع هذه الدول لمزيد من التخلّي عن لبنان وترك الساحة السنية لقوى اقليمية خصمة طامعة بملء الفراغ والتمدّد اكثر وأعمق في الداخل اللبناني.ثمة سبب آخر وراء اعادة بناء العلاقات اللبنانية – الخليجية ويعود بشكل أساسي الى “المبادرة الفرنسية” والمساعي الحثيثة التي أدّت في المرحلة الفائتة الى استقالة وزير الاعلام جورج قرداحي ضمن مسار مبرمج لتلقّي إيجابية مقابلة من المملكة العربية السعودية، الأمر الذي بدأت تتظهّر نتائجه اليوم. ولكن، ما هي الإشارات التي يجب على لبنان أن يلتقطها من خلال البيانات العربية الايجابية؟ وهل في ذلك مؤشّراً الى بداية تحوّل كامل يعيد العلاقة ما بين لبنان والسعودية الى سابق عهدها؟
وفق مصادر مطّلعة فإن خطوة المملكة تجاه لبنان تحمل العديد من الرسائل، لكنّ إيجابيتها توجّهت بصورة مباشرة لرئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي المتمسّك بأفضل العلاقات مع المملكة ودول الخليج، كتعبير عن تلقّف السعودية لإصرار ميقاتي على عدم السماح بضرب هوية لبنان أو سلخه من الحضن العربي. غير أن هذه الايجابية، وبحسب المصادر، لا تعني تحوّلاً سريعاً في الاستراتيجية السعودية تجاه البلاد، إذ إن الرياض لن تذهب بعيداً بالانخراط في الكباش السياسي وتحديداً الانتخابي بالسرعة التي تتوقّعها بعض القوى المحلية، بل ستعمل على تهدئة العلاقة الرسمية مع لبنان كمرحلة أولى من إعادة تصويب وتثبيت العلاقات الثنائية بين البلدين.في مقابل هذه الاندفاعة، ترى المصادر أن الرياض لا تنوي إعطاء الشرعية السنية للاكثرية النيابية في الانتخابات البرلمانية اللبنانية، إذ إنّ التوقعات التي تقول بأن “حزب الله” وحلفاءه سيفوزون بالاكثرية في الانتخابات المقبلة تعترف أيضاً بأن هذه الاكثرية ستفتقد للميثاقية التي ستشكّل لها نقطة ضعف مع عدم وجود بنية سياسية سنية صلبة مشاركة في الاستحقاق النيابي. وبالتالي، فإن السعودية لن تقدّم هدايا لـ “حزب الله” عبر منح من يشارك في الانتخابات من الشخصيات السنّية غطاء سعودياً اقليمياً يغلّف الاستحقاق برمّته.
من هُنا، ستكون الانتخابات النيابية المقبلة بلا شك دستورية وشرعية، غير أنها قد تبدو غير مكتملة في حال امتنع الجزء الاكبر من الشارع السني عن التصويت، الامر الذي من شأنه أن يرضي السعودية لأنها ستصبح قادرة عند أي تسوية على المفاوضة عليه واعادة تثبيت واقعها ونفوذها على الساحة اللبنانية.