هو بيان يمكن وصفه بالاستثنائي ذلك الذي صدر امس عن “تيار المستقبل”. فللمرة الاولى منذ اشهر كي لا نقول أكثر، يتحدث التيار الازرق بـ”صداقة” و”تضامن” ومرونة، عن القوات اللبنانية، وفق توصيف مصادر سياسية معارضة.
فعلى الادعاء الجديد على رئيسها سمير جعجع على خلفية حوادث الطيونة، خصوصا، وعلى التطورات على الخط القضائي، عموما، علّق “المستقبل” في بيان قائلا “سجّلت الايام والساعات الماضية مجموعة من السقطات التي تقع في خانة توظيف بعض القضاة في تصفية الحسابات السياسية وغير السياسية، الأمر الذي ينذر بجعل لبنان ساحة مفتوحة على الانتقام العبثي والكيل بمكاييل العدالة الانتقائية التي تجرّم من تشاء وتغفر لمن تشاء.
إن هيئة الرئاسة في “تيار المستقبل” إذ تستغرب وتدين هذا النهج التخريبي الذي يتخذ من القضاء اداة لتدمير ما تبقى من مقومات النظام العام وهوية لبنان الاقتصادية وهي الاخطر على حياة اللبنانيين، تتوقف بشكل خاص عند ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية على رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في احداث الطيونة، وترى فيه خطوة تسيء الى القضاء اللبناني كسلطة تعنى بحماية مقتضيات السلم الأهلي لا باثارة النعرات الطائفية.
إن الهيئة تحذر من الامعان في هذه السياسات العشوائية من منطلق دفاعها عن الحق والعدالة وبعيداً عن اية خلفيات تتعلق بالاستحقاق الانتخابي الذي اعلنا بوضوح تعليق مشاركتنا فيه، وعلى رغم الخلافات المعلنة والمعروفة مع حزب “القوات” ورئيسه، وهي تتساءل مع كثير من اللبنانيين، كيف يمكن للقضاء ان يكون عادلاً ونزيهاً ومتجرداً، عندما يلجأ الى اتخاذ اجراءات استنسابية انتقامية لمصلحة فريق سياسي، وغض النظر عن جرائم مالية وسياسية وأمنية، ولا يحرك ساكناً تجاه أحكام مبرمة صدرت عن اعلى السلطات القضائية في العالم بحق مجرمين شاركوا بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقضايا مشابهة”.
صحيح ان “المستقبل” لم ينف خلافاته مع “القوات”، تضيف المصادر، لكنه الخرق الايجابي الاول الذي يُسجّل من قِبله هو، في العلاقة مع معراب، اذ في كلّ مرة كان يحاول فيها جعجع مدَّ اليد للمستقبل او لجمهوره، كان يُقابل بالتخوين والسلبية والرفض من الفريق الازرق.
المصادر لا تستبعد ان تكون التطورات الاخيرة على الساحة المحلية والمتعلّقة بالانفتاح الخليجي – السعودي على لبنان بعد فترة من القطيعة والابتعاد، حيث يستعد السفراء الخليجيون للعودة الى بيروت في قابل الايام، قد فعلت فعلها في موقف “المستقبل” هذا.
فاذا كانت المملكة في صدد تبديل تعاطيها مع لبنان وفي صدد ايلائه اهتماما اكبر لمواجهة المد الايراني الآخذ في التوسع على اراضيه ولمنع المحور الممانع من السيطرة على بيروت من جديد عبر انتخابات ايار المقبل، يريد “الازرق” على ما يبدو، إظهارَ استعداده للمشاركة في هذه العملية، في شكل او في آخر، خاصة وان الرئيس سعد الحريري يدرك ان هيمنة حزب الله وسلاحه على اللعبة السياسية كانت السبب الاكبر خلف قراره اعتزال العمل السياسي.
وما بيانُ “المستقبل” المتضامن مع “القوات” الا ترجمة لاستعداده لرصّ الصف مع القوى السيادية لمحاربة طهران، اللّهم اذا كان ثمة فعلا مشروع جدي محلي – اقليمي، للتصدي لعزم الجمهورية الاسلامية على دعم الحزب وحلفائه في معركة 15 ايار…
انها اذا بادرة “حسن نية” اراد “الازرق” إظهارَها.. لكن هل تُستكمل وتتطور عشية الانتخابات، أم تقف عند هذا الحد؟ الاجوبة للايام المقبلة.