في الوقت الذي يترقب العالم مصير العملية العسكرية الروسية في الاوكرانية التي سوف تتواصل حتى تحقيق كل أهدافها، فإن التطورات على المستوى الاقليمي محل ترصد ومتابعة، من قمة العقبة الأردنية التي جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الى لقاء شرم الشيخ بين الرئيس السيسي والشيخ محمد بن زايد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، الذي ركز على الملف الإيراني، مع اقتراب الغرب من توقيع الاتفاق النووي، مرورا بزيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى الامارات في 18 اذار الماضي بعد ثلاثة أيام على الذكرى الـ11 لاندلاع الثورة السورية، وصولا الى زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للشرق الأوسط ولقائه وزراء خارجية إسرائيل والمغرب ومصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة في صحراء النقب في محاولة لتهدئة مخاوف اسرائيل بشأن اتفاق نووي وشيك مع إيران. كل ذلك يمكن وضعه في خانة ترتيب الاصطفافات الاقليمية وتركيب تحالفات استراتيجية على ضوء المشهد الدولي ربطا بتفاهمات حول مشاريع اقتصادية واسعة.
في خضم كل هذه التطورات المتلاحقة، يسعى حزب الله الى بقاء الاغلبية بـ” يده”، فالمعركة الانتخابية المرتقبة في 15 ايار المقبل أهم معركة سياسية في لبنان وفق توصيف الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وبالتالي الامساك بأكثرية وازنة في المجلس النيابي ما يسمح له بالتحكم بالاستحقاقات المقبلة ربطا بالتطورات الاقليمية والدولية المتصلة باتفاق فيينا والتي تصب في مصلحته، خاصة وان وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان اعلن من بيروت ان التفاهم حصل حول اكثر من 90 في المئة من الاتفاق مع الاميركيين، وهذا يؤشر الى ان توقيع الاتفاق النووي اصبح وشيكا.
لا شك ان اي تبدل في التعاطي الخارجي مع لبنان مرده الى اعتبارات تتصل بعدم ترك لبنان ساحة مشرعة امام ايران، وهذا ما يفسر “الاندفاعة الخليجية الايجابية” تجاه لبنان التي يضعها البعض في خانة الحد من الخسارة على الارض اللبنانية مقابل التوسع في النفوذ الايراني عبر حزب الله وبعض حلفائه، مع اشارة أوساط سياسية بارزة الى ان المفاوضات السعودية – الايرانية في العراق تجري وسط اجواء يشوبها التوتر وسط الاهتمام السعودي بملف اليمن كأولوية، وان كانت ايران التي تركز في خطابات مسؤوليها على وقف العدوان ورفع الحصار عن اليمينيين، تبدي استعدادها لايجاد حل للازمة اليمنية، معتبرة ان اي تطور في التفاوض السعودي – الايراني لن يكون لبنان بمنأى عنه لكن وفق معدلات جديدة سوف تفرض على الرياض التعاطي مع حزب الله كقوة أساسية في البلد.
وعليه، فإن التبدل في اللهجة الايرانية من الادارة الاميركية والتخفيف من حدة الهجوم على الولايات المتحدة مرده، وفق مصادر سياسية مطلعة على الموقف الاميركي لـ”لبنان 24″، مخاطبة الكونغرس الاميركي الذي يبدي اعضاؤه من ديمقراطيين وجمهوريين استياء من حجم تنازلات الرئيس الاميركي جو بايدن تجاه ايران، وفي ظل تعويل الجمهوريين على فوزهم في الانتخابات التشريعية النصفية في تشرين الثاني المقبل لتكثيف الضغوط على البيت الأبيض في ملف إيران، مشيرة الى ان الجمهورية الاسلامية مستعجلة لتوقيع الاتفاق ودأبت منذ فترة على اعتماد خطاب سياسي مختلف عن السابق لاقتناعها باهمية عدم التصعيد في وجه الادارة الاميركية التي تواجه انقسامات داخلية حيال مسألة الاتفاق النووي، وبالتالي فإن رفع السقوف سينعكس سلبا عليها فالعشرة في المئة او الخمسة في المئة من الاتفاق التي لا تزال قيد البحث من شأنها ان تجمد التفاوض اذا لم تتعاط ببراغماتية مع شروط الكونغرس.
وبالتوازي، تعتبر المصادر ان مشهد الاحلاف في المنطقة مرده القلق من ايران وترتيب تحالفات ضدها، وبالتالي من الخطأ الجزم ان فوز حزب الله وحلفائه في انتخابات ايار، سيكرس النفوذ الايراني في البلد. فحزب الله مصر على الانتخابات النيابية لحماية نفسه. فسوريا عائدة الى بيروت . والعودة الخليجية المرتقبة ايضاً بمساعي فرنسية واميركية ايضا يخشاها الحزب لما قد تستتبع بتصعيد خليجي للحد من تمدده في مؤسسات الدولة وامساكه بالقرار ولمنعه من التحكم في الاستحقاقات الدستورية وهذا يعني ان لبنان بعد الانتخابات النيابية سيكون اشبه بساحة مواجهة لاحلاف اقليمية متصارعة.