دخلَت قوى المجتمع المدني في دائرة الشوف – عاليه حالة من الإرباكِ الشديد، وذلك قبل أيامٍ قليلة من انتهاء مهلة تسجيل اللوائح النهائية للانتخابات النيابيّة.
في بادئ الأمر، يبدُو واضحاً أنّ توحيد اللوائح باتَ غير وارد، إذ كشفت الاتصالات الأخيرة أن إمكانية الخروج بائتلافٍ واحدٍ لجميع قوى المجتمع المدني بات أمراً صعباً. وبشكل خاص، فإنّ أساس هذا التباعد سببه الخلافات المستمرة بين مختلف الأقطاب التي تعمل على تشكيل اللوائح، الأمر الذي كان كفيلاً بانفضاض العديد من الشخصيات التي راهنت على وحدة تلك القوى وخوض معركة واحدة كفيلة بتحقيق خروقات نيابيّة.
تقول مصادر سياسية مقرّبة من تلك اللوائح لـ”لبنان24″ إنّ “المتوقع أن يكون هناك بين 3 و6 لوائح للمجتمع المدني في دائرة الشوف – عاليه، الأمر الذي يمكن أن يُصعب تماماً حصول أي لائحة من تلك اللوائح على حاصل انتخابي، وإن تحقق ذلك فقد يكون لصالح مرشح ماروني حصراً”. وتضيف المصادر: “في حال كانت هناك لائحة واحدة موحدة تضم مرشحين أقوياء جداً، فقد تكون لها إمكانية بتحقيق حاصلٍ واحد أو حاصلين، والخرق كان يمكن أن يكون وارداً ضمن المقعدين السني والماروني”.
بالنسبة للمصادر عينها، فإنّ عدم توحد قوى المجتمع المدني وتشكيل اللوائح المشتتة، يعني أن الاجماع على برنامجٍ واحد للاصلاح غير قائم. كذلك، فإنّ عدم الاجتماع في جبهة واحدة يمكن أن يفيد لوائح السلطة بشكل كبير. فعلى صعيد الجبهة التي تتألف من الحزب “التقدمي الإشتراكي” – “القوات اللبنانية” ومستقلين، فإنّ تشتت لوائح المجتمع المدني يعتبرُ خدمة لها، وبالتالي، فإن خسارة القوى التغييرية للحاصل الانتخابي يمكن أن يصبّ في صالح لائحة ائتلاف “التقدمي – القوات”، مما يعني حفاظاً لقوى السلطة على المقاعد النيابية كافة.
على المقلب الآخر، أي جبهة “التيار الوطني الحر” وحليفيه النائب طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهاب، فإنّ المعركة بالنسبة لهؤلاء كانت تحتاجُ إلى توحيد صفوف قوى المجتمع المدني، لأن ذلك سيضرّ بجبهة جنبلاط والقوات. وإنطلاقاً من قاعدة إبعاد الضرر، تقول مصادر مقرّبة من ائتلاف الوطني الحر – أرسلان – وهاب إنّ “الخوف يكمن في أن تكون اللوائح الكثيرة ضمن المجتمع المدني هي تطبيقٌ وإخراجٌ من تكتل الإشتراكي – القوات، بمعنى أن هذا التكتل قد يكون وراء دفع شخصيات عديدة لتشكيل لوائح عديدة تساهم في شرذمة الأصوات”.
بدورها، ردّت مصادر في “الإشتراكي” على هذا الأمر، مشيرة لـ”لبنان24″ إلى أنّ “وجود القوى التغييرية لا يلغيه أحد رغم وجود الاختلاف معهم في بعض وجهات النظر”، وأضافت: “اللوائح التي تتشكل معروفة والشخصيات الموجودة فيها أيضاً معروفة التوجّهات. منذ بداية المعركة الانتخابية تظهر بوادر كثيرة أنه قد تكون هناك فرصة للمجتمع المدني للوصول، ونحترم هذه المنافسة بغض النظر عن مسارها بحكم قانون الانتخاب”.
في المقابل، كشفت الأيام الأخيرة عن صراعٍ كبير بين مختلف مجموعات الثورة في الشوف بعد اتهاماتٍ تقاذفها مرشحون في ما بينهم سواء عن الوصولية أو عن تمثيل مُبطّن لأطراف سياسية أخرى من بينها “حزب الله”.
تحالفٌ مع الجماعة الإسلامية.. كيف سيؤثر؟
وسط كل ذلك، كشفت الاتصالات أنّ الجماعة الإسلامية وسعت اطار تواصل مع حزب “الكتائب اللبنانية” من جهة ومع اللائحة التي يشكلها الناشط مارك ضو من جهة أخرى في الشوف – عاليه. وحتى الآن، فإنّ الأمور كما تبدو، متجهة نحو حسم تحالفٍ واحد يجمع الأقطاب الثلاثة: الجماعة – الكتائب – ضو، على أن يكون الشرط هنا ضمّ مرشح الجماعة في إقليم الخروب محمد عمار الشمعة إلى اللائحة عن المقعد السني، في مقابل إسداء أحد المقاعد المارونية لريتا بولس، رئيسة إقليم الكتائب في دائرة الشوف”.
فعلياً، فإنّ اللائحة التي تجمع هذا الائتلاف تعتبرُ الأقرب لتحقيق الفوز، لاسيما أنها استطاعت استمالة الجماعة الإسلامية إليها باعتبار أن الأخيرة لديها وجود انتخابي في اقليم الخروب. وعليه، فإنّ الجماعة يمكن أن ترفع حاصل اللائحة بتقديم نحو 2000 إلى 4000 صوتٍ تفضيلي بالحد الأقصى لصالح مرشحها محمد عمار الشمعة، ما يعني أن اللائحة حصلت من شخص واحد على نسبة 21% تقريباً من الحاصل الانتخابي الذي يؤهلها للفوز بمقعد.
ورغم كل هذا، فإنّ فوز مرشح الجماعة قد لا يكون مضموناً، أولاً لأن لائحته من الصعب أن تفوز بحاصلٍ ثانٍ يمهد لها الحصول على مقعد إضافي، وثانياً لأن الشمعة لا يحظى ، كما يردد البعض، باجماعٍ في بلدته برجا التي تمثل ثقلاً انتخابياً يصل إلى 18 ألف صوت. ومؤخراً، طرت قوى سياسية متابعة داخل في الشوف تساؤلات عن كيفية تحالف المجتمع المدني مع الجماعة في الوقت الذي يسود في أوساطها خطابٌ عن رفض أفكار المجتمع المدني وتوجهاته العامة. كذلك، تقول مصادر سياسية إنّ الجماعة الإسلامية في إقليم الخروب لم تخض من قبل معركة انتخابات نيابيّة بشكل واضح وصريح، وتضيف: “الانتخابات المقبلة من شأنها أن تكشف عن حجم الجماعة شعبياً وعددياً وانتخابياً، وعلى هذا الأساس سينكشف التأثير”.
خسارة جديدة لجنبلاط
وفي ظل كل هذه المشهدية، يبدو أن جبهة جنبلاط – القوات ستتأثر بضربة جديدة في ظل ابتعاد الجماعة الإسلامية عنها. ففي انتخابات العام 2018، رفع جنبلاط الصوت باتجاه الجماعة طالباً تجيير أصواتها لصالح مرشحين في لائحته من بينهم بلال عبدالله، نعمة طعمة ومروان حماده. وضمنياً، فإن الرافعة التي أمنتها الجماعة كانت كفيلةً تماماً بقلب المعادلة لصالح جنبلاط في المرة الماضية، إلا أنه خلال الانتخابات الحالية ستكون الأمور أصعب.
كان من الممكن لجنبلاط أن يستميل الجماعة الإسلامية إليه كما كلّ مرة، إلا أن ما يبدو هو أن جنبلاط لم يلجأ إلى تلك الورقة التي كانت ستكون مربحة له، إذ كان بامكانه الاستفادة من أصوات الجماعة الاسلامية لصالح مرشحه الدرزي مروان حماده في حال كان يصرّ على فوز الأخير ودعمه بالأصوات.
وهنا، وبشكل أو بآخر، باتَ حماده بخطرٍ كبير، فهو يحتاجُ إلى رافعة مضمونة كتلك التي كانت تقدمها الجماعة الإسلامية، وبإمكان أصوات الأخيرة بحال صبت لصالح لائحة جنبلاط، أن تقلب المعادلة في وجه الوزير السابق وئام وهاب. إلا أن الواقع القائم حالياً يشير إلى أن الأخير باستطاعته تحقيق الخرق حينما تضعف أسهم حمادة وتغيب الرافعات الانتخابيّة من حول الأخير. وهنا، يُطرح التساؤل الأكبر: هل سيكون لأصوات حركة “أمل” في الشوف أي دور إنقاذي لمرشح الإشتراكي، رغم التباعد القائم حالياً بينهما خلال الانتخابات الحالية؟