باريس تتمسك بشعارها.. لبنان لا يزال “أولوية” للمجتمع الدولي؟

29 مارس 2022
باريس تتمسك بشعارها.. لبنان لا يزال “أولوية” للمجتمع الدولي؟


لا يزال العالم بأسره منشغلاً بالحرب الروسية على أوكرانيا، التي توحي كلّ المؤشّرات بأنّها ستكون طويلة الأمد، في ظلّ تداعيات “ثقيلة” متوقعة لها، لن تكون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنأى عنها، في ظلّ تقارير دولية تتحدّث عن موجة احتجاجات وانتفاضات متوقعة، قد تستعيد مشهد “الربيع العربي”، على خلفية نفاد بعض المواد وارتفاع الأسعار، بعدما تبيّن أنّ روسيا وأوكرانيا هما “سلّة غذاء” دول المنطقة.

وفي ظلّ “حبس الأنفاس” الذي يستمرّ عالميًا حول هذه الحرب، وما يمكن أن تفضي إليه، اعتقد كثيرون أنّ لبنان تراجع في “سلّم الأولويات”، ولا سيما أنّ زيارة كانت مُنتظَرة لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان قبل نشوب الحرب، أضحت “منسيّة”، شأنها شأن الزيارة “الملغاة” للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ مطلع العام الماضي، ما أوحى أن المجتمع الدولي لم يعد مهتمًا بلبنان، ولا مكترثًا باستحقاقاته الآتية، وأولها الانتخابات.

لكنّ العديد من الوقائع والمؤشرات “تدحض” هذه الفرضية، حيث يبدو أنّ لبنان لا يزال “حاضرًا” في الأروقة الدولية، فهو حضر مثلاً في منتدى الدوحة، لا من خلال حضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واللقاءات التي عقدها فحسب، ولكن أيضًا في لقاءات أخرى، قد يكون أهمّها ذلك الذي جمع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي خرج بعده ليجدّد دعم بلاده للبنان في ظلّ الأزمات التي يواجهها.”عين” على الإصلاحاتمتمسّكًا بمقولته الشهيرة “ساعدوا أنفسكم لنساعدكم”، خرج وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بعد اللقاء مع أمير دولة قطر ليعلن أنّ استتباب الأمن في لبنان يمرّ عبر تنفيذ الإصلاحات، مؤكدًا أنّ الأزمة اللبنانية حضرت في الاجتماع، من دون أن يغوص في المزيد من التفاصيل، ربما لأنّ الرسالة التي أراد إيصالها تقتصر على أنّ “الاهتمام الفرنسي” لم يتراجع، ولو خفّت وتيرته في الآونة الأخيرة.

ومع أنّ الموقف الفرنسي ليس بجديد، إلا أنّ أهميته في هذا التوقيت تكمن في “تناغمه وانسجامه” مع بعض المواقف التي صدرت في الآونة الأخيرة، ولا سيما العربية منها، فالحديث عن الإصلاحات كان قد تبنّاه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في زيارته الأخيرة إلى بيروت، كما حضر على هامش “المبادرة الخليجية” لتصحيح العلاقات مع لبنان، وبطبيعة الحال في إطار “الصفحة الجديدة” التي تُفتَح مع الخليج.لعلّ المجتمع الدولي، كما العربي، أراد القول إنّ لبنان “ليس منسيًّا”، إلا أنّ الكرة لا تزال في ملعبه، وأنّ الشروع في ورشة الإصلاحات يجب أن يُستكمَل أولاً، علمًا أنّ فرنسا تواكب كغيرها، وفق ما يقول العارفون، الجهد الذي تبذله الحكومة على هذا الصعيد، خصوصًا على مستوى المفاوضات مع صندوق النقد، وخطة التعافي المالي، وهي تدرك أهمية ما أنجِز على هذا الصعيد، ولو أنّها تتمسّك بمبدأ أنّ “العبرة في الخواتيم”.”عين” على الانتخابات؟لكن، إذا كانت “عين” المجتمع الدولي على الإصلاحات، فإنّ ما لا يخفى على أحد أنّ “عينه” الثانية تبقى على الانتخابات، ولا سيما أنّ كلّ النشاطات “مجمّدة” لما بعدها، حتى لو أصبح على “بيّنة” من أنّ “المُنتظَر” من هذه الانتخابات ليس طويلاً، وأنّ “الرهانات” على تغيير جذري قد تفرزه هذه الانتخابات، أو “ثورة” تنبثق عن صناديق الاقتراع، كما كان البعض “يمنّي النفس”، لم تعد كبيرة، بالنظر إلى الواقع السياسي والشعبي والقانوني في لبنان.رغم كلّ ذلك، يصرّ المجتمع الدولي على وجوب إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، من باب احترام مبادئ وقيم الديمقراطية، وليس سرًا في هذا السياق أنّ سبب “تثبيت” موعد الاستحقاق حتى الآن قد يكون ناتجًا عن هذه “الضغوط” الدولية، خصوصًا أنّ مناخ “التشكيك” بإجراء الانتخابات مستمرّ حتى انقطاع النفس ربما، وهو غير بريء وفق ما يقول معظم المراقبين، ويدلّ على وجود “نوايا مبيّتة”، وإن بقيت مستترة حتى إثبات العكس.في مطلق الأحوال، يقول العارفون إنّ “عين” المجتمع الدولي لا تزال مركّزة على الاستحقاق المُنتَظَر ليبنوا، في ضوء نتائجه، على الشيء مقتضاه، ويقرّروا بالتالي طريقة التحرك في لبنان خلال المرحلة المقبلة، علمًا أنّ نتائج الانتخابات وما سيتمخّض عنها، ولو لم يحمل تغييرًا كبيرًا، سيكون أساسيًا في هذه العملية، خصوصًا لجهة تشكيل حكومة جديدة، والعمل على إنجاز الانتخابات الرئاسية في موعدها، مع ما قد يحمله ذلك من أزمات جديدة.صحيح أنّ العالم مشغول بما يجري في أوكرانيا، حيث تدور حرب غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، قد ترقى بنظر البعض إلى مرتبة “الحرب العالمية”. لكنّ ذلك لا يعني أنّ لبنان بات “متروكًا”، وفق ما يقول العارفون، ولا سيّما بعدما أثقلت الحرب كاهله أكثر، وزادت الأعباء على كاهله، وهو ما تجلّى في عودة بعض الأزمات التي كانت قد اختفت، كطوابير البنزين، إضافة إلى ارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية الأساسية…