بكل مسؤولية وبعيدًا عن أجواء التشنج الناتجة عن “شعبوية إنتخابية” ظرفية نزعت الحكومة فتيل تفجيرها من الداخل. وهذا ما حاول البعض القيام به عندما رفض مناقشة مشروع قانون “الكابيتول كونترول” حتى قبل أن يطّلع عليه، وذلك بحجّة دفاعه عن أموال المودعين.
فهذا البعض، وقد تكون كلمة “البعض” هنا غير كافية، بإعتبار أن جميع الأحزاب المتضررة من إقرار هذا المشروع وقفت ضده، حاول هذا البعض رمي الكرة في الملعب الحكومي من أجل كسب بعض الوقت، إعتقادًا منه أن هذا الوقت سيتحّول وقتًا إنتخابيًا، إذ يصبح التشريع متعذّرًا، إن لم نقل مستحيلًا.
فهؤلاء النواب الذين ينتمون إلى مختلف الكتل السياسية التي يتكّون منها البرلمان، والذين توافقوا، وللمرة الأولى، فردّوا المشروع إلى الحكومة، لم يقوموا بواجبهم التشريعي وفق ما تقتضيه المصلحة العامة طوال أربع سنوات فهل ننتظر منهم أن يشرّعوا عشية ذهابهم جميعًا إلى معارك إنتخابية لا يُستهان بها، وهم يعرفون جيدًّا أنهم في حاجة إلى كل دقيقة لـ”تبييض” صفحتهم أمام الناس، الذين يعتبرونهم جزءًا لا يتجزأ من أسباب الكارثة التي يعيشها لبنان، وهم المعنيون أكثر من غيرهم من حملة “كلن يعني كلن”.
الحكومة عدّلت ما يجب تعديله في مشروعها في جلسة الأربعاء وإعادته إلى المجلس، الذي عليه أن يعاود درسه من جديد، خصوصًا أن حجّة النواب الرافضين لم تعد “تقلي عجّة”. فالتعديلات التي أدخلتها الحكومةعلى مشروعها طال في شكل أساسي تركيبة اللجنة، وهي لجنة خاصة منشأة بموجب هذا القانون وتتولى إعداد وإصدار النصوص التطبيقية اللازمة لوضعه موضع التنفيذ ووضع القيود المفروضة بموجبه.
وتتألف هذه اللجنة من وزير المالية وحاكم مصرف لبنان وخبيرين اقتصاديين وقاضٍ من الدرجة 18 وما فوق يختارهم رئيس مجلس الوزراء، ويمكن لها أن تستعين بمن تراه مناسباً من أهل الاختصاص.
وتحدد آلية عمل اللجنة بموجب قرار يصدر عن مجلس الوزراء الذي يصدر النصوص التطبيقية اللازمة لوضع هذا القانون موضوع التنفيذ، وذلك بناءً على اقتراح اللجنة التي تتولى استناداً إلى تلك النصوص وضع القيود المفروضة بموجبه، كما تتولى نشر القرارات التي تصدرها و/أو تعدلها بهدف تعميمها على المعنيين وذلك بالطريقة التي تراها مناسبة أو من خلال تعاميم دورية تصدر عن مصرف لبنان وفقاً للأصول المرعية الإجراء”.
ويهدف هذا القانون إلى “وضع ضوابط على عمليات التحاويل إلى العملات الأجنبية بشكل شفاف لمنع المزيد من تهريب رؤوس الأموال وتدهور سعر الصرف، وحماية للمودعين من خلال الحفاظ قدر الإمكان على الأصول بالعملات الأجنبية في القطاع المصرفي.”
هناك إجماع من قبل الخبراء الإقتصاديين على أن هذا القانون كان يجب أن يصدر قبل عامين، أي في الأيام الأولى على بدء الأزمة المالية والمصرفية . فلو أبصر هذا القانون النور في حينه لما إستطاع أحد تهريب أمواله إلى الخارج، ولما تفاقمت الأزمة إلى هذا الحدّ. ولكن أن تأتي الحلول متأخرّة أفضل من الاّ تأتي أبدًا.
فهذا القانون، في حال إقراره في مجلس النواب، سواء بصيغته الحكومية أو بصيغة معدّلة، يجب أن يترافق مع مسألتين أساسيتين: الأولى، إعادة هيكلة المصارف تمهيدًا لعودة الثقة بالقطاع المصرفي، والثانية إجراء إصلاحات مالية وإقتصادية جدّية، بحيث يكون هذا القانون محفزّا للإقتصاد، خصوصًا أنه لا يتعارض مع النظام الليبرالي الحّر الذي يعتمده لبنان.
ولكي لا تترك الحكومة المجال واسعًا أمام “الإعتراضات الشعبوية”، التي إدّعت أن تداعيات إقرار هكذا مشروع على الإقتصاد سـتكون مؤلمة وتحكمها الإستنسابية الناتجة عن وجود لجنة تمنح وتحجب الإستثناءات في زمن يضج بالإنتخابات والفساد، أقدمت على ردّ المشروع إلى المجلس، وليتحمّل الجميع مسؤوليتاتهم، خصوصًا أن ساعة الحقيقة والحساب قد إقتربت.