صار البعض يعتبر أن الحديث كل عام مع بداية شهر رمضان عن الاوضاع الاقتصادية والمعيشية التي ترافق اللبنانيين منذ سنوات طويلة مجرّد “كليشيه” لا يقدّم ولا يؤخّر في الواقع اللبناني، لكنّ منطق “التطنيش” يبدو واحدة من أهم الاسباب التي أوصلت حال البلاد اليوم الى ما هو عليه.
وعلى الرغم من أنّ نغمة “وقّفوا نقّ” باتت “ترند” يتصدّر الانتقادات المتاحة على مواقع التواصل الاجتماعي، في مسعى لحثّ الناس للاعتراض في الساحات والضغط باتجاه المطالب المحقة التي هي في الاساس حقوق مسلوبة بقوّة الامر الواقع، غير أنه من المحال أن نمنع الاقلام من التصويب على الضعف الذي انهك المواطن والتذكير دوماً بأنّ ثمة أناس باتوا يستجدون كسرة خبز، في حين أن الشريحة الاوسع من المجتمع تنام بهمّ وتستيقظ على همّ تأمين لقمة العيش ولا احد يُبالي. فكيف سيكون الحال إذاً مع الصوم وكثرة الإنفاق لدى المسلمين الذين يصومون ما يزيد عن نصف يوم ليجلسوا على مائدة إفطار خالية من الحدّ الأدنى من وجبات الغذاء.
وإذا كان البكاء على الحال لا يغيّر فيه شيئا فإنّ الاضاءة عليه من شأنها ربما أن تدفع المقتدرين من الناس للتسابق على عمل الخير بهدف تعزيز التكافل الاجتماعي، حيث تشهد الاسواق في هذا العام قفزة “خرافية” في أسعار السلع الغذائية بالاضافة الى باقي الالتزامات والفواتير الشهرية من المولّدات في ظلّ الغياب التام لكهرباء الدولة، والغاز والماء والمحروقات وغيرها من الامور الحياتية الضرورية التي تنهش دخل الفرد ولا تبقي منه ما يسند حاجاته حتى آخر الشهر ما رفع نسبة المُحتاجين وقضى على ما يُسمّى بالطبقة الوسطى في لبنان.يأتي ذلك كلّه واللبناني معدوم الحيلة مستتراً بثوب الدعاء معتمدا في معظمه على سند البطاقة التمويلية التي من شأنها أن تُخفف القليل من الأعباء وتساهم في سدّ العجز المعيشي الحاصل، لكنّ الازمة التي تتفاقم يوماً بعد يوم لا سيما مع اندلاع الحرب الروسية – الاوكرانية والتي أرخت بتداعياتها الثقيلة على الواقع اللبناني المهزوم اقتصادياً ونقدياً ومعيشياً، لا يبدو لها حلولاً عملية وطارئة في هذه المرحلة رغم مساعي الحكومة اللبنانية لتوفير الامن الغذائي الذي بدا مؤخراً الى جانب ملف الكهرباء محور اجتماعات رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي.
من الواضح أن لا حدّ للغلاء في شهر رمضان، والايام بعده تطول، في ظلّ غياب دور الرقابة وهيمنة جشع العديد من التجار وعجز الدولة ومؤسساتها واجهزتها عن مكافحة الاحتكار ومعاقبة “المجرمين” المتحكّمين بالسوق والمتربّصين بلقمة المواطن والمنتصرين دوماً استناداً الى حجّة “ما بتوفّي” في هذه الاوضاع. وما بين طمع هؤلاء وعجز الرقابة وغياب المحاسبة تتعمّق الازمة اكثر فأكثر ليقع المواطن “المطحون” أساساً فريسة الحصار من كل الجهات بلا رحمة او شفقة.
في شهر رمضان تصدّقوا، فللجوع والعطش حكمة