“أقدم المدعو “أ.ح” على الانتحار أمام منزله حيث عثر عليه جثة هامدة ومصاباً بطلق ناري في الرأس، وتوازياً أفادت المعلومات عن جريمة قتل مروعة راح ضحيتها 4 أشخاص من عائلة واحدة والعمل جار على كشف الملابسات لتوقيف الفاعل”. هي أخبار افتراضية، لكننا في الواقع اعتدنا أن نسمعها في حياتنا اليومية ولم تعد ظاهرة مرحلية يعيشها لبنان.
من يقرأ الأرقام الرسمية لجرائم القتل للسنوات الماضية، يرى أنها طبيعية في ظل ما نسمعه يوميًّا، إذ تشير إلى ارتفاع الجرائم عام 2021 بمقدار 90 قتيلاً مقارنة بعام 2019 أي بنسبة 101%، حيث بلغ عدد جرائم القتل عام 2019 (حتى تشرين الأول) 89 جريمة، فيما بلغ عام 2021 (حتى تشرين الأول) 179 جريمة.
أما في ما يتعلق بالانتحار، فيبدو الأمر مختلفًا، إذ تشير الأرقام إلى 172 حالة انتحار عام 2019، و150 حالة عام 2020، فيما تراجع هذا العدد إلى 119 حالة عام 2021 (حتى تشرين الأول)، فهل هذه الأرقام واقعية؟
في هذا الإطار تقول الاختصاصية والمعالجة النفسية المشرفة على خط الحياة في جمعية “Embrace” التي تعنى بالدعم النفسي والوقاية من الانتحار ريف رومانوس إنه بطبيعة الأحوال “أن الأرقام المسجلة للأشخاص الذين أقدموا على الانتحار غير واقعية إذ إن لا يزال بعض العائلات يرفض تسجيل ذويها الذين أقدموا على الانتحار على أنهم منتحرين وذلك خوفاً من المجتمع ونظراً إلى ما يشكله هذا الموضوع من اعتبارات غير مقبول بها دينيًّا”.
وتشير رومانوس إلى أن “الاتصالات على “خط الحياة” زادت 3 أضعاف ومعظمها يتعلق بأفكار انتحارية”، موضحةً أنه “قبل عام كان يصلنا ما بين 500 و 600 اتصال لأشخاص يحتاجون الدعم النفسي في الشهر ،أما الآن فوصلنا إلى ما يقارب 1500 حالة في الشهر وهذا ما يدل على أن الحاجة للدعم النفسي زاد”، لافتة إلى أن “54% من المتصلين الشهر الماضي كانت لديهم أفكار انتحارية.
ضغوط معيشية وفقدان الأمل
وعن الأسباب التي تدفع هؤلاء إلى الإقدام على الانتحار، تقول رومانوس إن “هناك مجموعة عوامل تؤثر على الذين تنتابهم أفكار انتحارية منها خسارة الأمل والإحباط وزيادة التوتر والقلق من المستقبل وكل ذلك مرتبط بالضغوط المعيشية”، لافتة إلى أن “نحو 30% من المتصلين يعانون من البطالة وهم غالبيتهم بين عمر 18 إلى 34 عامًا”.
وتضيف: “نحن مررنا في عدة صعوبات بدءًا من انفجار المرفأ مرورًا بالأزمة الاقتصادية وصولًا إلى أزمة المصارف إضافة إلى المشكلات الشخصية الأخرى التي يعاني منها الفرد، وكل ذلك يزيد نسبة الإحباط وفقدان الأمل”، مشيرة إلى أن هناك “شخصًا من كل أربعة أشخاص في لبنان لديهم أمراض نفسية”.
كيف تساعد Ebmrace من الوقاية من الانتحار؟
وعن كيفية حماية المتصلين من الانتحار، تلفت رومانوس إلى أن “جمعية embrace لا تقدم العلاج ولكنها تساعد الأشخاص بشكل لحظوي وطارئ للعزوف عن الانتحار، وتكون صلة الوصل بينهم وبين المعالجين النفسيين الذين يتحولون إليها لاحقًا للعلاج”، موضحة أن “حتى هذه اللحظة نجحنا بحماية النسبة الأكبر من المتصلين إذ أبلغونا أنهم شعروا براحة بعد نهاية اتصالهم معنا”.
لماذا يقدم بعضهم على ارتكاب جرائم بشعة؟
على خط مواز، يشهد لبنان جرائم قتل مروعة دوريًّا آخرها جريمة أنصار التي راح ضحيتها “باسمة عبّاس” وبناتها الثلاث.
وفي هذا الإطار، تقول رومانوس إنه “عادة حين يرتكب الشخص جريمة ما نقول إن لديه مرضًا نفسيًّا ولكن ليس بالضرورة أن يكون كذلك”.
والواضح أنه ليس بالضرورة أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها لبنان هي التي تدفع إلى ارتكاب جرائم قتل، إذ إن الفرد يمكن أن يتجه إلى حلول أخرى متنوعة.
وتلفت رومانوس إلى أن الأسباب لارتكاب جرائم قتل فقد يمكن حصرها بثلاثة عوامل وهي: العامل الجيني أو العامل العقلي إذ إن المرتكب قد يكون يعاني من مشكلة عقلية أو يمكن أن يكون لديه مرض نفسي، وهو العامل الثالث، على أمل أن تصبح الأرقام المرتفعة للجرائم من الماضي وفقط… من الماضي.