تطرح أوساط سياسية لبنانية أسئلة حول خلفيات اللقاءات التي يجريها وفد اقتصادي فرنسي مع كتل وشخصيات لبنانية بهدف اطلاعهم على خارطة الطريق التي ينوي صندوق النقد الدولي اعتمادها في برنامجه لمساعدة الدولة اللبنانية، وحول المبادىء والتوجهات الأساسية التي بجب أن تستند إليها خطة التعافي المالي والاقتصادي. وتتوقف هذه الأوساط عند حث الوفد الفرنسي الجانب اللبناني ومن ضمنه المجلس النيابي في إقرار عاجل للقوانين التشريعية التي تتصل ببرنامج خطة التعافي وصندوق النقد على حد سواء. وتتضمن هذه القوانين “الكابيتال كونترول”، والاطار القانوني لإعادة هيكلة المصارف.
فهل ينطوي الحراك الباريسي على مقاربة غربية وفرنسية جديدة تتجاوز المقاربة السابقة التي قامت على تمهل وتأجيل النتائج العملية الى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة؟تبدو العجلة سمة المقاربة الفرنسية الجديدة، خاصة وأنها، وفق أوساط سياسية نتاج قراءة مستجدة لنتائج الانتخابات المقبلة والمرحلة التي ستليها. ويكمن تفسير ذلك في قراءة مزدوجة أولا لناحية الاحتمال المتزايد في أن تتمكّن الأكثرية الراهنة من إعادة انتاج أغلبيتها في استحقاق 15 ايار، الأمر الذي يجعل من انتظار نتائج الانتخابات، بوصفها محطة لتغيير موازين القوى الداخلية أمرا غير ذي معنى، وثانيا لأن سياسات تضييق الخناق الاقتصادي على الوضع في لبنان باتت تؤدي إلى نتائج كارثية على مجمل البيئات السياسية دون استثناء في حين أنها اخفقت في إضعاف حزب الله ولم تفض الى إحداث شرخ بينه وبين بيئته الحاضنة.
يتردد وفق الأوساط السياسية نفسها، أن الفرنسيين بحثوا هذا الموضوع مع السعوديين وقدموا قراءة سلبية من حيث النتائج المترتبة على مقاطعة السعودية للبنان، وضمن هذا السياق، تفهم هذه الاوساط عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت، هذا إلى جانب ما تمليه أيضا ضرورات المعركة الانتخابية والمساعدة على تقريب وجهات النظر بين حلفاء المملكة وأصدقائها.ويفترض أن يدشن هذا المشهد مسارا جديدا سوف تتظهر ملامحه شيئا فشيئا في المرحلة المقبلة، ويستبطن تعاطيا أكثر مرونة وايجابية من قبل الفرقاء الدوليين المعنيين بلبنان من دون أن يعني ذلك توقعا لانفراجات في الوضع الراهن لأن هذا الأمر يرتكز في جانب أساسي إلى مواقف الافرقاء المحليين. ولا يبدو لغاية اللحظة اي تغير يذكر في أداء هذه القوى. فالمجلس النيابي عبر لجانه المشتركة سيكون هذا الاسبوع على موعد مع مناقشة مشروع قانون الكابيتال كونترول تمهيدا لاقراره وإحالته إلى الهيئة العامة نتيجة للضغوط المزدوجة من قبل صندوق النقد الدولي والحكومة وربما سيضطر البرلمان أيضا إلى إقرار مشاريع واقتراحات قوانين ذات صلة نتيجة الضغوطات نفسها، مثل إعادة هيكلة القطاع المصرفي وقانون رفع السرية المصرفية .
ثمة سؤال حول مصير موازنة للعام 2022 التي تستحوذ اهتماما دوليا مع الضغط لإقرارها. وفيما كانت جلسات لجنة المال متسارعة في المرحلة الأولى عند مناقشة موازنات الوزارات والمؤسسات العامة، أخدت في الآونة الاخيرة مسارا متباطئا في ظل تناقص عدد النواب المشاركين في الاجتماعات تحت عنوان الانشغال بالحملات الانتخابية مع اقتراب موعد 15 ايار المقبل. وفي هذا السياق، يتحدث خبراء اقتصاديون عن شكوك بدأت تتصاعد فعليا حول انجاز مناقشة الموازنة ومن ثم اقرارها في الهيئة العامة في الفترة المتبقية من المجلس الحالي ، علما أن تأجيلها إلى المجلس النيابي الجديد سيعني وأدا لها لأنه لن يكون بمستطاعه اقرارها قبل تشكيل حكومة جديدة.الأكيد أن تحريك الملفات المالية والاقتصادية ووضعها على سكة الإقرار لا تعني بالضرورة انفراجا سياسيا، ذلك أن مسار الانفراج السياسي لا يزال مغلقا.