كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”: الرشاوى الإنتخابية في لبنان مثل التبولة والدبكة والزجل جزء من فولكلوره ولا تستوي إنتخابات من دونها. فهي رشة الملح التي تضفي على الإنتخابات نكهتها وإن كانت تضر بالصحة وترفع ضغط المرشحين. وبروتوكول الرشاوى كالميثاق الوطني عرف غير مكتوب، لكن لا شرعية للانتخابات من دونه ولا لذة، له أبوابه ومفاتيحه وفقراته وحتى بنوده الجزائية. وبين الأمس واليوم اختلفت مظاهرالرشاوى قليلاً لكن مفهومها لا يزال هو هو متأصلاً في التراث السياسي اللبناني.
في حين يخشى معظم دول العالم من التمويل الانتخابي الذي يضع المرشحين وأحزابهم تحت جناح المتمولين الذين يرفدون حملاتهم بالأموال وتسن القوانين للحد من التبرعات الجلية والخفية الذي تشكل مصادر ضغط على المرشحين والانتخابات، فإن الأمر معكوس في لبنان كما كل شيء فيه والخشية ليست على ما يقبضه المرشح من الداعمين الداخليين والخارجيين بل ما يدفعه لشراء أصوات الناخبين. لم يستطع قانون حتى اليوم او هيئة الحد من ظاهرة الرشاوى المتجذرة في مشهد الانتخابات اللبنانية منذ الاستقلال وما قبل.
قصص الرشاوى كقصص الحيّات لا تنتهي، طريفة ساخرة ولاسعة أحياناً وفي كل مدينة ومنطقة من يرويها ويفهم بتلافيفيها. لن نغوص في واقع انتخابات اليوم حتى لا نؤثر فيها لكننا سنعود الى الماضي من أوائل الانتخابات النيابية بعد الاستقلال وصولاً الى انتخابات 2018.السعر مضاعفشراء الأصوات في المناطق له أسلوبه الخاص، و»الحوسة» التي تحيط بالمرشح هي التي تتولى هذه المهمة وفق ما يروي لـ»نداء الوطن» أحد العالمين بخفايا الرشاوي. قبل يوم او اثنين من الانتخابات يمر هؤلاء على البيوت التي اعتادت ان تقبض سابقاً ويدفعون مقابل كل صوت وإن لم يكونوا واثقين من مصداقية هؤلاء والتزامهم بالمرشح يحتجزون الهويات ويبقونها معهم حتى بروز النتيجة والتأكد من كونهم قد صوتوا لصالح من دفع. بعض المستعدين لبيع أصواتهم باتوا متمرسين بالعملية فهم لا يعطون وعداً إلا في آخر لحظة بعد ان تكون النتيجة قد صارت على المحك والمرشح بحاجة ماسة لأصوات؛ حينها ترتفع البورصة وما كان معروضاً عليهم سابقاً « تدوبل» او تتربل» قيمته حسب حشرة المرشح. وفي حين تدفع الرشاوي على البارد قبل أيام من الانتخابات فإن الحماوة تشتد يوم التصويت وعلى الأخص بعد الساعة الثالثة من بعد الظهر. هنا ينزل «تجار الأصوات» الى الساحة ويتحكمون بالأسعار. فهؤلاء وقد تحسبوا للأمر يكونون قد احتجزوا عدداً من الهويات وأبقوها في جيوبهم وحين «تحز المحزوزية» يعرضونها للبيع ببازار ينتظرونه من موسم الى موسم وتبدأ المفاوضات، فالمحتاج يدفع أعلى من سواه وهكذا يتقاسم تجار الأصوات المبالغ المعروضة للصوت مع أصحاب الهويات فيعطونهم نسبة من المبلغ ويقتطعون لأنفسهم النسبة الأعلى بعد أن صاروا أسياداً بالتفاوض. وفي انتخابات 2018 يقول أحد العارفين بدأ سعر الصوت بـ50 دولاراً ليصل الى 300 عندما تعثرت الأمور (على سعر 1500) ويؤكد كذلك أن المرشح الذي يملك المال هو الذي يتحكم بالسوق وبسعر الصوت.