يبدو أن لبنان أعيد الى دائرة الاهتمام الدولي ـ الاقليمي ـ الخليجي، وذلك بعد قناعة ترسخت لدى الكثيرين بأن ليس من مصلحة أي كان بترك هذا البلد الصغير بحجمه، الكبير بتأثيره في المنطقة الى إنهيار قد يقوده الى فوضى عارمة تترجم في ما بعد بتوترات أمنية تنعكس سلبا على المحيطيّن القريب والبعيد.
منذ سنوات لم يشهد لبنان حراكا دوليا ـ عربيا من هذا النوع، حيث بدا واضحا أن الجهود التي بذلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على أكثر من صعيد وحرصه على طرح القضية اللبنانية على طاولات صناع القرار في أهم وأكبر المحافل الدولية في العالم، قد ساهم في تبديل الصورة النمطية لدى أكثرية هؤلاء عن لبنان وفي إتخاذ قرار بضرورة مساعدته لوقف الانهيار على الأقل في الوقت الحالي، تمهيدا لمرحلة مقبلة قد تبدأ فيها مسيرة الانقاذ بالتعاون مع الرئيس ميقاتي الذي تؤكد كل المعطيات بأنه بات يحظى بتقدير وثقة كبيرين في عواصم القرار الغربية والعربية.
لا شك في أن عودة السفير السعودي وليد البخاري الى لبنان قد شكلت حيوية سياسية من خلال اللقاءات التي عقدها مع المراجع الروحية والسياسية، وقد كان لافتا فيها زيارته الى المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، ودعوته رئيس مجلس النواب نبيه بري الى مائدة الافطار مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والرؤساء السابقين حيث مثله الوزير عباس الحاج حسن وزيارته رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا، ما يشير الى إنفتاح سعودي باطاره الواسع على كل المكونات اللبنانية، معطوفا على حراك عربي لسفير الكويت الذي إعتبر أمس أن عودة السفراء تؤكد “نجاح المبادرة التي قادتها بلاده”، وكذلك بالنسبة الى قطر التي أوفدت سفيرا جديدا الى لبنان.
في ظل هذا الانفتاح العربي على لبنان، ووسط الأجواء الايجابية التي تخيم على المنطقة لا سيما لجهة التقدم المستمر في إتفاق فيينا، والمحادثات السعودية الايرانية، والتحضير لزيارة البابا فرنسيس، يبدأ لبنان خطواته الفعلية مع صندوق النقد الدولي بعد الاتفاق معه، حيث من المتوقع أن يترافق الدعم المالي المنتظر من قبل الصندوق مع هبات مالية ستقدمها الدول المانحة، فضلا عن حديث جدي عن ودائع مالية عربية ستوضع في مصرف لبنان بعد الانتخابات النيابية المقبلة، بما يساهم في دعم الخزينة تمهيدا لاخراج لبنان من المأزق.
واللافت ايضا هو التنافس الفرنسي في الانتخابات الرئاسية على لبنان الذي يحظى بمساحة واسعة من البرامج المطروحة، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الرئيس ايمانويل ماكرون استمراره باحتضان لبنان ودعمه ومساعدته، تعهدت منافسته مارين لوبن في حال فوزها باستكمال ما بدأه ماكرون في لبنان، ما يشير الى ان الاهتمام الفرنسي بوطن الارز بات قرارا استراتيجيا، بغطاء اميركي دولي واضح، ولعل الصورة التي جمعت السفير البخاري بالسفيرتين الاميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو للحديث عن لبنان على هامش الافطار السعودي تشكل دليلا واضحا على تنامي هذا الاهتمام.
هذه المعطيات الايجابية المستجدة تطرح سلسلة تساؤلات لجهة، هل يمكن التفاؤل تجاه القادم في المرحلة المقبلة لا سيما بعد الانتخابات؟، وهل المخاوف الكبرى من مزيد من الانهيار بدأت تتراجع؟ وهل سنكون امام تطورات ايجابية على المستويين السياسي والاقتصادي؟ وهل سيؤدي ذلك الى انفراج مالي وبالتالي اخراج لبنان من جهنم التي يتخبط فيها؟.
تقول مصادر سياسية مطلعة: إن التحركات الايجابية الناشطة على اكثر من صعيد توحي ان ثمة قناعات دولية عربية بضرورة عدم تعريض لبنان لانفجار اجتماعي بات “قاب قوسين او ادني” من الوصول اليه، لكن السؤال الجوهري في هذا الاطار هو، هل سيكون هذا الدعم لوقف الانهيار فقط وترك لبنان يتأرجح في المساحة الرمادية؟، ام ان الامر سيتعدى ذلك الى الانقاذ الذي بات ملحا في ظل تنامي المخاوف من الاعظم؟..