تأتي الزيارة التي سيقوم بها قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس للبنان منتصف حزيران المقبل في توقيت حسّاس ومفصلي بالنسبة إلى جميع اللبنانيين، بعد الإنتخابات النيابية وقبل إنتخابات رئاسية.
يأتي البابا فرنسيس إلى لبنان في الوقت الذي يحتاج فيه هذا البلد المعذّب والمقهور إلى كل دعم ممكن، سواء أكان ماديًا أم معنويًا، خصوصًا أن الفاتيكان يعلّق أهمية قصوى على أن تبقى الصيغة اللبنانية الفريدة صامدة في وجه أي محاولة تغييرية لهوية لبنان الحضارية.
فبعدما صارت زيارة البابا مؤكدة انطلقت عملية التحضير لها ووضع الترتيبات والتفاصيل، بما في ذلك تحديد المكان الذي سيجري فيه البابا القداس الإحتفالي الشعبي.
وفي هذا الإطار لا بدّ من تسجيل الملاحظات والخلاصات التالية:
1 – كان الفاتيكان حريصًا على تقديم أفضل الحلول للمسألة اللبنانية، وهي سياسة فاتيكانية ثابتة منذ قيام لبنان، الدولة والكيان. ولكن هذه المقاربة كانت تتمايز بين البابوات الذين زاروا لبنان. فالبابا يوحنا بولس الثاني القديس هو رجل الكاريزما في الكنيسة، وقد أحبه اللبنانيون حبّا كثيرًا، فيما يُعرف البابا بنديكتوس السادس عشر بأنه رجل الفكر في الكنيسة. أما البابا فرنسيس فهو رجل الرحمة في الكنيسة .
2 – تعبيرًا عن إهتمامه بوضع لبنان واللبنانيين، دعا البابا يوحنا بولس الثاني الى عقد جمعية خاصة للأساقفة من أجل لبنان وعين أعضاء الجمعية الخاصة في الفاتيكان لمتابعة السينودس. وصدر عن السينودس إرشاد رسولي بعنوان “رجاء جديد للبنان” في 10/5/1997 وذلك في أثناء زيارة البابا القديس للبنان. وقد أكد البابا في جملة ما أكده في الإرشاد على أمرين أساسيين :
– لم يقصر السينودس إهتمامه على المسائل الداخلية للكنيسة الكاثوليكيّة في لبنان، بل كان الوطن كله حاضرًا في البال، لأن مصير الكاثوليك مرتبط إرتباطًا وثيقا بمصير لبنان وبدعوته المميزة (الفقرة 6من الإرشاد الرسولي).
-إن إلتزام السلام من قبل الجميع، يقود الى مصالحة نهائية بين جميع اللبنانيين، والمصالحة هي نقطة إنطلاق الرجاء لمستقبل جديد للبنان (فقرة 98).
3 – إن ما يميّز البابا فرنسيس في رؤيته الى القضية اللبنانية، هو أنها قضية تختصر آلآم الشعب المعذب، الشعب الذي غالبًا ما يُترك ليواجه مصيره التاريخي. إنه البلد الذي يستجمع في الوقت عينه: آلآم الخوف، وآلآم الجوع، وآلآم التهجير، والآم الإحتلال.
4 – إن زيارة البابا فرنسيس للبنان ليست مادة للإستغلال السياسي. ويفترض بالمعنيين التعاطي مع هذا الموضوع بالدقة التي تفرضها المعاطاة مع أمور الفاتيكان عامة بما فيها من أصول ولياقات وتوقيت. فمن المؤكد أن البابا فرنسيس يود أن يزور لبنان كأولوية أولى في سجل دول العالم، ولكنه يعرف سلفًا أن في لبنان جهات تريد أن تستثمر هذه الزيارة في عكس ما تهدف إليه من خير وسلام وأمان لكل اللبنانيين، وأن تحّولها الى مجرد دعاية سياسية في الصراعات الداخلية، وهو هدف يناقض نفسية البابا وفكره وتاريخه النضالي والإنساني والكنسي.
5 – من المهم الإشارة الى أن لبنان يشكل قاعدة أساسية في استراتيجية البابا فرنسيس الدولية، باعتباره التجسيد الفعلي والعملي والحي للحياة المشتركة المسيحية ـ الإسلامية، وبالتالي فلبنان هو التطبيق العملي لوثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها مع شيخ الأزهر أحمد الطيّب.
فالأخّوة المسيحية – الإسلامية كما يجسدها لبنان هي الصورة التي يعمل عليها كل من البابا فرنسيس الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف
ومن خلال غرس الأسس الثابتة للعلاقة بين المسيحية والإسلام.
فهذه الزيارة ما تحمله من آمال لجميع اللبنانيين ستكون محطّة من المحطات الرئيسية والمهمة في تاريخ لبنان الحديث، وسيكون لها حتمًا إنعكاسات إيجابية على مسار الحلول المنتظرة في المنطقة ولبنان.