وكأننا نعيش في أحياء مهددة بالانفجار الاجتماعي في أي لحظة. المؤكد أنّ سلوك الانسان بما يترجمه الواقع النفسي الناتج عن الازمات الاقتصادية والسياسية، قد تبدل، ليس فقط على مستوى الجرائم واستسهال القتل، وارتفاع معدل السرقة والخطف مقابل الفدية، وانما ايضاً على نطاق اضيق قد يوازي ما سبق من خطورة، ليصل حد الانهيار الأخلاقي بتسجيل حوادث واشكالات متنقلة يومياً لأتفه الأسباب احياناً، وأشدها قسوة احياناً أخرى.. من اشكال ملعب كرة السلة الى الخلاف الانتخابي في أحد المطاعم، وصولاً الى التكسير والضرب أمام أحد الافران.
مما لا شك فيه انّ التداعيات الاقتصادية لما نعيشه، سببت الى حد كبير بتأثيرات نفسية سلوكية على تفاصيل حياة المواطنين، بناءً على فرضية اجتماعية نفسية تقوم على فكرة انّ الانهيار الأخلاقي، هو ترجمة حتمية لواقع الانفلات الأمني والانهيار الاقتصادي والتحدي المعيشي بالدرجة الأولى، وهو ما شهدناه مراراً.
بلغة الأرقام، سجلت “الدولية للمعلومات” في تقرير أخير صدر عنها ارتفاعاً في جرائم السرقة والقتل والخطف خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي أو بأعوام 2018 و2019 و2020، وذلك استناداً الى أرقام المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. وعلى سبيل المثال جاء ارتفاع معدل الخطف مقابل الفدية خلال الأشهر الأولى من العام 2022 مقارنة بالعامين السابقين بنسبة 81.5%، أمّا جرائم القتل فزادت بنسبة 64.7%، كما هو مرفق في الصورة أدناه:
وفي الشهر الجاري، سُجل أكثر من حادثة امنية لاشكالات في مختلف المناطق، كان أشهرها في ملعب كرة السلة في المنارة اثناء مباراة رياضية، وفي أحد المطاعم ايضاً. وفي طرابلس قُتل طفل جراء اشكال مسلح بين عائلتين في منطقة التبانة بداية الشهر الحالي. وفي النبطية قتلت أم وبدم بارد رضيعها ابن الساعات بعدما أخلّ عشيقها بوعده ولم يتزوجها، وبحسب تقارير امنية فإنّ السيدة أقدمت على قتل رضيعها داخل “السيفون” بعد ولادته بساعات ورميه من النافذة الى حديقة المنزل المحاذية في حي المسلخ.
وكذلك نجحت استخبارات الجيش في تحرير الشاب حسن عطوي في البقاع، بعدما طالب خاطفوه اهله بفدية مالية مقدارها 25 الف دولار للافراج عنه.
فوضى أخلاقية
وتكر السبحة، بدخولنا في حالة من الفوضى والانهيار على كافة المستويات، وكأنه ترجمة طبيعية لارتفاع نسبة الجرائم، وهذا هو الأخطر، باعتبار انّ سلوك بعض الافراد بات يتجه اكثر الى الجريمة من كل أنواعها. تشرح الباحثة في علم الاجتماع هادية جابر في حديث لـ”لبنان 24″ أسباب هذه الفوضى الأخلاقية على حد تعبيرها، مشيرة الى أنّ الجريمة ترتبط بالمفهوم العام بأنّها أيّ انحراف عن مسار المقاييس الجمعيّة، في بيئة تشجع احياناً على ارتكاب الفعل الجرمي، حيث ترتبط زيادة معدل الجرائم في المجتمع ايضاً بتطور ظروفه وخصائصه والمتغيرات التي تحدث به.
غياب الوعي
وتتابع جابر: “حتماً فإنّ البطالة والفقر والهموم المعيشية والاقتصادية تلعب دوراً مهماً في زيادة معدلات الجريمة والجهل على حد سواء. فغياب الوعي يؤدي الى الجريمة، فكيف اذا ارتبطت بالمؤشرات الاقتصادية الصعبة التي تؤدي الى سلوكيات مضطربة في المجتمعات وتظهر هذه السلوكيات في تفاصيل حياتهم اليومية”.
حتماً يُضاف الى مجمل هذه العوامل غياب الفكر الرادع، الناتج بطبيعة الحال عن غياب الروادع القانونية والتشدد في اصدار الاحكام والعقوبات، وتقول جابر: “يرتكب المجرم جريمته وهو يفكر بأنّه سوف يفلت من العقاب، وهذا ما شهدناه على مستوى جرائم العنف الاسري على مر السنوات في لبنان، ومرد ذلك حتماً الى الأفكار الموروثة والغرائزية احياناً والنزعة الى الشر”.
ويبقى الحادث الأكثر مأساوية خلال هذا العام، والذي شكل صدمة على مستوى لبنان، هو جريمة أنصار البشعة التي نُفذت بدم بارد ووحشية من قبل شابين، وأودى بحياة أم وبناتها الثلاث في بلدة أنصار، بواحدة من ابشع الجرائم المدبرة. فهل تبدلت نفسيات بعض الناس وتحولت الى الكره والحقد، فصار استسهال الفعل الجرمي عادة بغياب قيم ومبادئ تدعو الى التسامح والخير؟