كتب طوني عيسى في” الجمهورية”: اذا نجحت التحضيرات، فسيعقد السعوديون والإيرانيون جولتهم الخامسة من المفاوضات في بغداد، قبل الفطر، بعدما كانت طهران طلبت تأجيلها قبل يومين من موعدها المقرَّر في 16 آذار الفائت، على خلفية أحكام الإعدام التي نفَّذتها المملكة آنذاك. وستكون هذه الجولة أول لقاء بين الطرفين منذ أيلول 2021.
بالتأكيد، إنّ الهدوء النسبي في اليمن وإطلاق العملية السياسية هناك وتراجع الاستهدافات الإيرانية والحوثية للمصالح الحيوية في السعودية والإمارات، هي أولى العلامات في هذا المنحى الإيجابي، وكذلك زيادة السعودية للحصّة الإيرانية من الحجّاج هذا العام. لكن العديد من المراقبين يعتبرون أنّ توقيت زيارة الرئيس السوري بشّار الأسد لأبو ظبي وعودة السفراء الخليجيين إلى بيروت هما أيضاً من علامات التهدئة مع إيران.
وبعدما جرت الجولات الأربع السابقة على مستوى الأمنيين، وبقيت مداولاتها سرّية، ثمة من يراهن على رفع مستوى الجولة الجديدة إلى مستوى الطواقم السياسية، بمشاركة أمنيين، ما يشكّل إشارة إلى احتمال تحقيق نتائج سياسية وأمنية.
ويعتقد البعض أنّ الخليجيين باتوا أكثر استعداداً لإبرام صفقة شاملة مع طهران، من منطلقات براغماتية، بعد التحوُّلات السياسية الجارية دولياً وإقليمياً، والتي دفعتهم إلى البحث عن ضمانات جديدة لأمنهم، بعد اهتزاز استقرارهم خلال الأشهر الأخيرة، على أيدي إيران والحوثيين. وقد جاءت حرب أوكرانيا لتجعل الأمر حتمياً وعاجلاً.
في رأي البعض، أنّ من مصلحة الخليجيين اليوم أن يعقدوا مع إيران «صفقتهم الخاصة»، الضامنة مصالحهم في الدرجة الأولى، بدلاً من انتظار الصفقة بين إيران والولايات المتحدة، والتي سيقوم الطرفان من خلالها بتقاسم المصالح والمكاسب، على حساب العرب عموماً.
وفي تقدير أوساط ديبلوماسية، أنّ مصالح الخليجيين والإيرانيين تتقاطع اليوم على إبرام اتفاق تقاسمٍ في الشرق الأوسط، بعيداً من الضغط الأميركي. وهذا الموقف يلتقي مع موقف الأوروبيين، والفرنسيين تحديداً، الذين يعتبرون أنفسهم أيضاً في موقع المحاصَر أميركياً. ومن مصلحة الرئيس إيمانويل ماكرون أن يساهم في تحقيق التقارب العربي- الإيراني، ويحصِّل ما أمكن من مكاسب إقليمية، كوسيط. في أي حال، يعتقد المتابعون أنّ المقايضة المحتملة بين الخليجيين والإيرانيين تقوم على الآتي: تحظى العملية السياسية في اليمن بدعم الرياض، وتُقدِّم طهران في المقابل ضمانات أمنية للسعوديين والإماراتيين في اليمن، وضماناتٍ بوقف استهداف الحوثيين للمصالح الحيوية في الخليج العربي. في الموازاة، يتمّ «تحييد» العراق نسبياً عن النفوذ الإيراني، (وفق مفهوم طهران للحياد)، وتأخذ اللعبة السياسية مداها هناك من دون تدخّلات. وتُحافظ طهران على دور سياسي في سوريا وتشارك في المشاريع المستقبلية هناك، كما تحصل على ضمانات للإبقاء على دورٍ وازنٍ لحلفائها في لبنان. وهذا ما يبدو الفرنسيون أيضاً موافقين عليه. ويعتقد بعض المطلعين أنّ «إزاحة» تيار «المستقبل» من اللعبة الانتخابية والسياسية، أياً كانت تفسيراته، سيقدِّم خدمة لـ«حزب الله» ولخصومه على حدّ سواء. لكنه، في أي حال، سيُضعف الدور السنّي المحوري مقابل الطوائف الأخرى. وفي عبارة أكثر وضوحاً، سيعود السنّة إلى ما قبل ظاهرة رفيق الحريري والحريرية السياسية. فحتى تسعينات القرن الفائت، كانت الزعامات السنّية مناطقيةً محدودة الاتساع (كرامي، الصلح…) ولم يصبح للسنّة تيارهم الشامل على مستوى البلد إلّا مع الحريرية. وسيشكّل سقوطها عودة للسنّة إلى زمن المناطقية، ويجعلهم أقل تأثيراً من الشيعة والمسيحيين الذين يقيمون تيارات وأحزاباً قوية وشاملة. ويُخشى أن يقود هذا الفراغ في الساحة السنّية إلى نشوء أو استحضار حالات سنّية معينة، قد يكون مخطَّطاً لها تحت عناوين مختلفة. وثمة مَن يعتقد أنّ أي تسوية خليجية- إيرانية في ظل موازين القوى الحالية ستكرّس نفوذ «حزب الله» السياسي في لبنان، لأنّ لا وجود لأي طرف قادرٍ على تحقيق التوازن مقابل «الحزب» في الداخل، لا تحت عنوان 14 آذار ولا تحت عنوان «الثورة» و«المجتمع المدني». وفي هذا المناخ، قد يكون الأسد لاعباً مقبولاً لأداء بعض الأدوار. وربما يوافق الأميركيون على تسوية من هذا النوع، إذا كانت تضبط التفلُّت الإيراني القائم حالياً في المنطقة، وإذا كانت ترضي إسرائيل وتسهِّل دخول الجميع في التسويات الإقليمية الشاملة، ولو بعد حين.