تتقدم الانتخابات النيابية بخطى ثابتة نحو موعدها المقرر في الخامس عشر من أيار المُقبل، إذ إن جميع القوى السياسية وأجهزة الدولة تعمل وفق قناعة تامة أن الاستحقاق المُرتقب لن يتأجل، وما يغذّي هذه القناعة هو الاجماع الداخلي والخارجي على عدم إرجائه، لكن تأكيد حصول الانتخابات لا يلغي فكرة تبعاتها والتي يمكن البناء عليها للمرحلة المقبلة.
التبعات المعروفة لدى الجميع لهذه الانتخابات هو فتحها الباب على مصراعيه أمام مناقشة طبيعة النظام الحالي وامكانية تغييره، واعادة بحث التوازنات السياسية بشكل واقعي، بمعنى الذهاب الى تسوية كبرى نسبياً تعيد تحديد قواعد الاشتباك وتكريس قوة فريق او آخَر، الامر الذي من المرجح أن يستفيد منه “حزب الله” بشكل اساسي باعتباره الفريق الاقوى.لكن وبعيداً عن كل التبعات يبدو أن “الحزب” تعلّم الدرس من الانتخابات السابقة، حيث فاز انذاك بالاكثرية النيابية من دون أن يستطيع الاستفادة منها “وتقريشها” على المستوى السياسي والاعلامي وعلى مستوى الرأي العام، إذ إن “الحزب” وبإدّعائه هو لم يتمكن رغم فوزه بالاكثرية من أن يكون حاكماً فعلياً حتى في حكومات الاكثرية التي كان أحد اهم اركانها لجهة تشكيلها ورعايتها وحمايتها.
تقول مصادر مطّلعة أن ما بعد الانتخابات النيابية المتوقع فيها فوز “حزب الله” وحلفائه بالاكثرية مجدداً لن يكون كما قبله، حيث أن “الحزب” سيسلك مساراً مختلفاً في الأداء والاسلوب ويتعامل بطريقة مختلفة مع الواقع السياسي اللبناني وسيثبت حضوره في السلطة التنفيذية ليس من حيث عدد الوزراء ونوعية الحقائب انما من حيث رفع الفيتوهات والضغط من اجل اقرار قوانين جدية.كما ان “الحزب” سيكون أمام تحدٍّ ثاني، وهو كيفية التعامل مع القوى السياسية سواء الحليفة من خلال توحيدها ودفعها نحو الاتفاق على سلّة متكاملة لادارة البلاد، اذ إن احدى أكبر مشاكل الاكثرية الحالية ان افرقاءها لم يتمكنوا من التوافق على اسلوب حكم واحد ولا حتى على التفاصيل المرتبطة بإدارة وزارة أو قطاع لا من قريب ولا من بعيد.اما لجهة الخصوم، فمن الواضح أن “الحزب” سيستمر في سياسته المرتبطة بموضوع حكومة الوحدة الوطنية وسيعمل مجددا على الذهاب الى سلطة متنوعة، لكن هذا لا يعني انه لن يعدّل في طريقة تعاطيه مع خصومه وهذا ما بدأ يظهر من خلال أدائه مع “الحزب التقدمي الاشتراكي” على سبيل المثال ورغبته بخوض معاركه ضدّه بالمباشر الامر الذي ما لبث يتظهّر في الشوف وعاليه وربما في بيروت الثانية والجنوب الثالثة.
اذاً، يبدو انّ “حزب الله” الجديد سيولد، سياسيا، بعيد الانتخابات النيابية لجهة حضوره وسلوكه داخل الدولة ما يؤشر الى امكانية فتح الباب امام تسويات مع بعض دول الاقليم!