رغم أنّ المدّة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقرّرة في منتصف أيار داخل لبنان، وقبله في بلاد الاغتراب، تضيق أكثر فأكثر، إلا أنّ “الملابسات” المحيطة بالاستحقاق المنتظر لا تزال تتفاعل يومًا بعد يوم، على وقع موجات “تشكيك” لا تنتهي، معطوفة على “إشاعات” تنتشر كالنار في الهشيم، وكأنّ هناك من لا يزال “يراهن” على ربع الساعة الأخير لقلب المعادلة، وربما “تطيير” الانتخابات إن استطاع إلى ذلك سبيلا.
رغم كلّ ذلك، يمكن القول إنّ “قطار” الانتخابات سلك طريقه، وإنّ الجميع باتوا يتعاملون مع استحقاق أيار باعتباره “أمرًا واقعًا”، أو ربما كأنّه “قضاء وقدر” تمّ التسليم به، بعد “استنفاد” كلّ الوسائل المُتاحة وغير المُتاحة لتغييره، بدليل سيطرة الأجواء الانتخابية على الساحة الداخلية خلال الأيام القليلة الماضية، وبدء الأحزاب السياسية “استنفارها الانتخابي”، وانطلاقها في معاركها “الداخلية” على الأصوات التفضيلية.
لكن، ما تمّ التسليم به انتخابيًا على المستوى الداخلي، لا يبدو كذلك خارجيًا، حيث لا تزال هناك الكثير من علامات الاستفهام التي تُطرَح حول انتخابات المغتربين، في ظلّ حديث متزايد عن “ضعف لوجستي” يشوبها، وهو ما عزّزه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بحديثه أمس عن “جريمة” تُرتكَب بحقّ المغتربين، وتحميله وزير الخارجية عبد الله بو حبيب المسؤولية عنها، معلنًا أنّ “القوات” ستطرح الثقة به انطلاقًا من ذلك.
“عراقيل” تواجه انتخابات المغتربين
في مؤتمره الصحافي، قال جعجع إنّ وزارة الخارجية “تسعى بشتى الوسائل عرقلة اقتراع المغتربين بدل تسهيلها”، وتحدّث عن “عراقيل” تتحمّل الوزارة مسؤوليتها بشكل مباشر، بينها “آليّة” توزيع الناخبين على مراكز الاقتراع، ورفض توزيع لوائح الشطب إلا قبل 48 ساعة من موعد الاستحقاق، إضافة إلى ابتداع طرق جديدة لاعتماد مندوبي المرشحين في أقلام الاقتراع في دول الاقتراع، ما “يعقّد” المهمّة على المرشحين.
ويوضح المحسوبون على “القوات” أنّ هناك “شعورًا” بات يتنامى لدى كثيرين بأنّ وزارة الخارجية لا تتعامل مع انتخابات المغتربين كطرف محايد يسعى لإنجاحها، بل على العكس من ذلك، تسعى لإفشالها، وإضعاف نسبة المشاركة فيها، “خدمة” لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وحلفائه، الذين لم يخفوا أساسًا منذ اليوم الأول “رغبتهم” بإلغاء هذا الشقّ من الانتخابات، وعلى رأسهم “حزب الله”، على لسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم.
ويعتبر هؤلاء أنّ “العراقيل” التي تحدّث عنها جعجع في مؤتمره الصحافي كافية للتأكيد على هذا “التوجّه”، ولا سيما طريقة توزيع الناخبين وفق الرمز البريدي، بدل اعتماد المركز الأقرب إلى مكان السكن، كما حصل مثلاً في تجربة 2018، علمًا أنّه كان الأوْلى به العمل بمقتضاها طالما أنّ أحدًا لم يعترض. ويُضاف إلى ذلك أنّ لوائح الشطب الممنوعة على الأحزاب، باتت في “عهدة” باسيل، وفق ما يقول هؤلاء، مشيرين إلى “شكاوى” بدأت ترد من المغتربين على خلفية اتصالات يتلقونها من ماكينات “التيار الوطني الحر”.
الانتخابات “حاصلة حاصلة”
يُضاف كلام جعجع إلى “جو عام” في البلد يبدو أنّه انتقل من “التشكيك” بحصول الانتخابات بالمُطلَق، ربما بعد “فقدان الأمل” من ذلك، إلى “التشكيك” بحصول انتخابات المغتربين، للعديد من الاعتبارات والأسباب، بل إنّ هناك من بدأ “نقاشات دستورية” حول ما إذا كان تعطيل هذه الانتخابات يلغي الاستحقاق برمّته، ولا سيما أنّه يجعله قابلاً للطعن، طالما أنّ القانون نصّ بوضوح على أنّ اقتراع المغتربين جزء من الانتخابات.
إلا أنّ المعنيّين يؤكدون أنّ كلّ ما يُحكى لا يعكس الواقع على الإطلاق، إذ إنّ “الجهوزية” للاستحقاق باتت شبه مكتملة، رغم كلّ الصعوبات والمعوقات التي “صارح” وزير الخارجية اللبنانيين بها منذ اليوم الأول، وإنّ “العراقيل” التي لا تزال موجودة هي “مالية محض”، كما قال الوزير عبد الله بو حبيب، ومرتبطة بوجوب تأمين الأموال نقدًا، لكنّها عراقيل لن تحول في نهاية المطاف دون حصول الانتخابات بطبيعة الحال.
وفيما يجزم هؤلاء بأنّ الانتخابات “حاصلة حتمًا”، وأنّ “التشكيك” بذلك جزء من “محاولات تطيير الانتخابات” التي لم تنتهِ فصولاً بعد، يعتبرون أنّ “العراقيل” التي تحدّث عنها رئيس حزب “القوات” يمكن أن تخضع للنقاش، لكن ليس من شأنها “إلغاء” الانتخابات، علمًا أنّ وزير الخارجية التزم بـ”توصيات” لجنة الانتخابات، وفق هؤلاء، خصوصًا في مسألة توزيع الناخبين، وهو بالتأكيد لا يسعى إلى “التأثير” على طرف، أو “التشويش” على آخر.
يبدو أنّ “نغمة” التشكيك بحصول الانتخابات ستبقى “ملازمة” للاستحقاق حتى الخامس عشر من أيار، بالتوازي مع الحملات الانتخابية والمعارك الطاحنة التي بدأت تُرصَد في أكثر من مكان. ثمّة من يخشى أن ينجح “المشكّكون” في تحقيق مبتغاهم في “لحظة ما” ينتظرونها ربما لاستغلالها سريعًا، لكن ثمّة من يؤكد في المقابل أنّ ما كُتِب قد كُتِب، وقد يكون الأفضل الانصراف إلى التحضير للانتخابات جديًا وعمليًا!