بين “المقاطعة” و”الورقة البيضاء”.. هل من “مفعول انتخابي” يُذكَر؟

22 أبريل 2022
بين “المقاطعة” و”الورقة البيضاء”.. هل من “مفعول انتخابي” يُذكَر؟


مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقرّرة في منتصف أيار المقبل، واستمرار “الشكوك” التي يعمد البعض الترويج لها لغاية في نفس يعقوب ربما، يزداد الحديث عن “قلّة حماسة” لدى الكثير من الناخبين، أو “عدم اكتراث” بهذه الانتخابات، للعديد من الأسباب، من بينها الجو العام الذي يوحي بأنّ نتائجها “محسومة سلفًا”، وأنّها لن تُحدِث “تغييرات جذرية” على شكل المنظومة الحالية وطريقة توزيعها.
 
انطلاقًا من ذلك، ثمّة من يتحدّث عن “خيارَين غالبَين” لدى الكثير من الناخبين “الناقمين” على السلطة، والمعارضة معها لعجزها عن تقديم مشروع بديل موحّد بالحدّ الأدنى، وتشتّت مرشحيها على لوائح متباينة، بينها ما هو محسوب على قوى “سلطوية” أساسًا، وهما مقاطعة الانتخابات ككلّ، واعتبار يوم الخامس من أيار يومًا عاديًا شأنه شأن غيره من الأيام، أو الاقتراع بأوراق بيضاء، لتسجيل موقف، وفق العرف “التاريخي والتقليدي” السائد في البلاد.
 
لكن، هل من “مفعول انتخابي” حقيقي يُذكَر لهذين الخيارين؟ وأيّهما قد يكون أجدى إذا كان الهدف الحقيقيّ هو تسجيل موقف اعتراضي على الأداء العام للسلطة؟ ولماذا يعتبر البعض أنّ اللجوء إليهما قد يقدّم “خدمة” لقوى السلطة في مكانٍ ما؟ وهل يدرك الراغبون باعتمادهما “التأثير” الذي قد ينجم عن ذلك على نتيجة الانتخابات؟
 
“حذار” الورقة البيضاء!
تاريخيًا، تُعتبَر “الورقة البيضاء” أحد أكثر أساليب “الاعتراض” استخدامًا من قبل من يودّ أن “يفشّ خلقه”، ويعبّر عن رفضه لكلّ الخيارات الانتخابية المُتاحة أمامه، والتي لا يجد فيها الخيار “المناسب”، بل إنّ هناك “حملات” كانت تنظَّم لرفع نسبة الأوراق البيضاء في بعض الانتخابات، لأنّها تحمل بين طيّاتها رسالة واضحة، قد تكون دلالاتها أكبر وأعمق من فوز بعض المرشحين، الذي قد يكون محسومًا قبل الانتخابات.
 
انطلاقًا من ذلك، يتحضّر الكثير من الناخبين للاقتراع بورقة بيضاء في الانتخابات المقبلة، من باب “فشّ الخلق”، للقول إنّ أداء السلطة الذي أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه خلال السنوات الأربع لا يمكن أن يبقى على حاله، وللقول أيضًا إنّ المعارضة لم تكن على مستوى الطموحات والتطلعات، بعدما مارست “لعبة” السلطة نفسها، بدليل تشتّتها على لوائح متباينة، واختلافها لا على البرامج فحسب، بل على المقاعد والحصص قبل ذلك.
 
لكن، ما قد لا يدركه الكثير من هؤلاء الناخبين، هو أنّ الورقة البيضاء لم تعد مجرد “فشة خلق”، بموجب قانون الانتخاب الحالي، بل أصبحت “مؤثّرة” على النتائج، وفق ما يؤكد العديد من الخبراء الانتخابيين، ممّن يشيرون إلى أنّ هذا “التأثير” لا يخدم في الحقيقة سوى الأحزاب والقوى الكبرى، لأنّ الأوراق البيضاء تدخل في احتساب الحاصل الانتخابي، ما يؤدي إلى رفعه، وبالتالي “يعقّد” مهمّة الخرق على أيّ قوى “تغييرية” يمكن أن يُبنى عليها.
 
هل المقاطعة أجْدى؟
إزاء ذلك، ثمّة من يدعو إلى خيار “المقاطعة” الذي قد يكون “أجْدى” في هذه الحالة، باعتبار أنه لا يؤدّي إلى رفع الحاصل الانتخابي، ويوصل “الرسالة” المنشودة، خصوصًا إذا ما نجحت مثل هذه “الحملات” إلى خفض نسبة المشاركة إلى حدّها الأدنى، بما ينبغي أن يترك “آثاره” على مقاربة القوى الفائزة في الانتخابات، التي سيكون عليها أن تدرك أنّها لا تحظى بـ”ثقة” الغالبية العظمى من الشعب اللبناني.
 
لكنّ لهذا الخيار “محاذيره” وفق ما يرى كثيرون، خصوصًا إذا لم يكن شاملاً، كما هو حال استحقاق 2022، ولم يقترن بحملة وطنية شاملة، من شأنها أن تحقق الغايات المنشودة فعلاً، بل قد يتمّ تصويره على أنّه “تقاعس” عن ممارسة الحق الانتخابي، وبالتالي في مكان ما قد يسهم أيضًا في “تكريس” الوضع القائم على حاله، وتجديد “البيْعة” للمنظومة الحاكمة، من دون أيّ محاولة للتغيير، أو إدخال “دم جديد” إلى الندوة البرلمانية.
 
من هنا، يعتقد الخبراء الانتخابيون أنّ الحلّ الأمثل يبقى في أن يمارس المواطنون حقّ الاقتراع على أكمل وجه، والتصويت لمن يعتقدونه “الأقرب” إلى توجّههم رغم كلّ شيء، فالمرحلة مفصلية واستثنائية، وما ينتظر اللبنانيين بعد الانتخابات قد يكون “أقسى”، ما يفترض منهم “قياس” الأمور بشكل مختلف، حتى لا يتكرّر “السيناريو” المعتاد، الذي يشكو فيه اللبنانيون حالهم، بعد أن يكونوا قد شاركوا في إيصال المنظومة نفسها، بشكل مباشر أو غير مباشر.
 
لا شكّ أنّ “الورقة البيضاء” و”المقاطعة” يبقيان خيارًا مشروعًا لجميع الناخبين، الذين يرغبون بإيصال “رسالة” معيّنة في زمن الانتخابات. لكنّ الأكيد أنّ على أصحاب هذا الخيار أن يدرسوه من كلّ جوانبه، حتى لا “ينقلب” عليهما، ويؤدّي إلى نتيجة “مناقضة” لما يتوخّونه أساسًا منه، وفق ما يحذّر الكثير من الخبراء الانتخابيين، الذين يشدّدون على وجوب التنبّه لما يصفونها بـ”شياطين” قانون الانتخاب الساري!