غضب وتوتر وحداد.. “مراكب الموت” نموذج عن “القهر والوجع”!

25 أبريل 2022
غضب وتوتر وحداد.. “مراكب الموت” نموذج عن “القهر والوجع”!


لم يكن الحادث الأول من نوعه، لكنّ “زورق طرابلس”، أو “مركب الموت” كما يصحّ وصفه، حمل بين طيّاته “المأساة”، بكلّ عناوينها وفصولها، “مأساة” اختلطت مقاربتها بين واقعٍ مُرّ “أجبر” مواطنين على الهرب عبر البحر بعدما فقدوا ربما كلّ مقوّمات الحياة في بلدهم، وبين حقيقة بقيت مبهمة، في ظلّ تباين الروايات حول ما جرى، وسط دعوات واسعة لفتح تحقيق جاد وشفاف يكشف ملابسات ما حصل.

 
أعلن لبنان الحداد العام على ضحايا “زورق الموت”، فيما استنفرت القوات الأمنية وعزّزت حضورها في عاصمة الشمال، حيث كادت الأمور تخرج عن السيطرة، بعدما ساد الغضب والتوتر بين أهلها، على وقع الحادث “الجلل”، حزنًا على الضحايا الذين سقطوا بلا ذنب، ومطالبة بالكشف عن حقيقة ما جرى، ورواه الناجون، ولكن قبل هذا وذاك، تحسّرًا على حال جاء الحادث، على قساوته، ليعيد تسليط الضوء عليها.
 
بهذا المعنى، قد لا تكون “مراكب الموت”، التي عادت إلى الواجهة من خلال مأساة كان الركّاب يدركون أنّها “احتمال وارد”، لكنّها تستحقّ “المغامرة”، مجرّد تفصيل في المشهد، بل لعلّها “أساسه”، لأنّه تعبّر خير تعبير عن “القهر والوجع” الذي يشعر به مواطنون، باتوا مستعدّين للهرب من واقعهم المُرّ بأيّ طريقة، فهل يُلامون على ذلك؟ وهل يكون الحادث، على بشاعته، “فرصة” لإعادة النظر بالكثير من السياسات؟!
 
لا يُلامون..
 
لا يُلام اللبنانيون وغيرهم من المقيمين في لبنان إن اختاروا “مراكب الموت” للخلاص من واقعهم. قد تكون تلك هي “الحقيقة” الثابتة وغير الخاضعة للنقاش في كلّ ما جرى، بمُعزَلٍ عن أيّ نقاش حول التفاصيل والملابسات، “حقيقة” يعزّزها واقع أنّ من يرتاد هذه القوارب، ويخوض “مغامرة” الهجرة غير النظامية، يعرف سلفًا أنّ احتمال الموت قد “يوازي” احتمال النجاة، وقد حمل البحر على مرّ السنوات الأخيرة الكثير من “المآسي” المشابهة.
 
صحيح أنّ هناك “عصابات” نشطت على خطّ “قوارب الموت”، وصحيح أنّ هناك من يلجأ إلى “إغراءات” غير شرعية ولا قانونية في إطار “ابتزاز” المواطنين المحتاجين، وهو ما لم يعد يخفى على أحد، بعدما ازدهرت “تجارة الموت”، لكنّ كلّ ذلك لا يحجب “حقيقة” أنّ الناس باتت تفضّل “الموت” على “البقاء” في بلد، ما عادت قادرة على “مجاراة” أزماته المتفاقمة التي لا تنتهي، لدرجة باتت “عاجزة” عن تأمين الحدّ الأدنى من مستلزماتها الأساسيّة.
 
لا يُلام مرتادو “قوارب الموت” إذًا، وأهل طرابلس خصوصًا، هم الذين اعتادوا أن تأتي الأزمات “مضاعفة” عليهم، بعدما أضحت مدينتهم رمزًا للبؤس والفقر والعوز، وبعدما “همّشتها” الكثير من السياسات على مدى سنوات، أصبحت معها عاصمة الشمال “منسيّة”، تارةً بحرب داخليّة، ومعارك دمويّة، وطورًا بتفجيرات كُشِف من يقف خلفها من دون الاقتصاص منه، وبين هذا وذاك، بأزمات اقتصادية واجتماعية “استنزفت” الجميع بالحدّ الأدنى.
 
هل تسود “الفوضى”؟
 
بمُعزَلٍ عن “المُلام”، فإنّ الأكيد أنّ ما جرى في طرابلس خلال عطلة نهاية الأسبوع لا يفترض أن يمرّ كأنّه لم يكن، في ظلّ حالة “الغليان” التي شعر بها الأهالي، حالة لا ينبغي تلقفها على أساس أنّها “موجة وستمرّ”، كما درجت العادة، ولا “الرهان” على أنّ الغضب سيخمد مع الوقت، وقد تكون “صدفة” تزامنها مع استحقاق الانتخابات النيابية المفترضة في منتصف أيار، في مكانها، لعلّها “توقظ” ضمائر بعض المرشحين عن طرابلس قبل غيرهم.
 
من هنا، لا شكّ أنّ المطلوب أولاً وقبل كلّ شيء، فتح تحقيق جاد وشفّاف ونزيه في حقيقة ما جرى، مع تسمية الأمور بمسمّياتها، من دون أيّ “خطوط حمراء”، لأنّ توصّل مثل هذا التحقيق إلى نتائج “ملموسة” قد يكون وحده قادرًا على “بلسمة الجراح”، إن كان ذلك ممكنًا، بعكس ما جرى مثلاً في قضية انفجار مرفأ بيروت، حيث يعاني أهالي الضحايا الأمرّين، بسبب “تقييد” السياسيين للتحقيق، من دون أيّ اعتبار أو احترام لوجع الناس.
 
وبموازاة التحقيق، قد يكون مطلوبًا بدل “الخوف” من أن تكون أحداث طرابلس “بوّابة” لتأجيل الانتخابات النيابية، كما ألمح بعض السياسيين في الساعات الماضية، ربما ممّن لا يزالون يراهنون على “تطيير” الاستحقاق، أن يعملوا على تغيير النظرة لطرابلس، والمقاربة لمآسيها المتنقّلة، بل إعادة النظر بالمقاربة الاقتصادية كللّ، لأنّ البلاد أصبحت جديًا على حافة “الانفجار الاجتماعي”، فيما بعض القادة يصرّون على مبدأ “المماطلة”.
 
في الساعات الماضية، دار “الجدال” في البلد حول حقيقة ما جرى مع “زورق طرابلس”، بين من قال إنّ سبب “غرقه” كان الحمولة الزائدة، باعتبار أنّه لا يتّسع لأكثر من 10 ركاب، وقد كان على متنه أكثر من 75 بينهم أطفال، ومن قال إنه كان قادرًا على الوصول إلى “وجهته” لولا حادث الاصطدام مع دورية الجيش. لكن “الحقيقة” أنّه بمعزَل عن هذا “التفصيل”، يبقى جميع من سقطوا “ضحايا” دولة فرضت عليه الذهاب إلى “الجحيم” بأرجلهم، بعدما بات “أرحم” من عيش يصفه كثيرون بـ”الذليل”!.