هل ينقسم الحراك في لبنان بين الجدّ والتهريج!

26 أبريل 2022
هل ينقسم الحراك في لبنان بين الجدّ والتهريج!


لم يكُن ما حصل مع وزير الطاقة والمياه وليد فياض قبل أمس سوى مشهد آخر من معارك “الثوار” مع السلطة، ما أوحى بدايةً بأن “الثورة” التي اختفت مظاهرها الى حدّ بعيد لم تخمُد بعد. غير أن محاصرة الوزير فياض وشتمه وصفعه لا يمكن تصويره على انه مجرد تعبير عن الغضب الشعبي العارم، بل هو مؤشر خطير الى تفشّي التفلّت الاخلاقي و”على عينك يا تاجر”! ورغم استنكار بعض وجوه “الحراك” لمثل هذا الفعل، الا أن ذلك لا يمنح “الثورة” صكّ البراءة من هذا النوع من “النضال” لا سيّما وأن نزعة الهجوم لم تفارق تحركاتها منذ اندلاعها قبل أعوام.

 
وبعيدا عن الأحكام التي أصدرها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تمّ نسب “المعتدي” لأحد الاحزاب المسيحية البارزة، فإن السؤال الاساسي الذي بات يُطرح بعد واقعة الأمس يدور حول ما إذا كانت  “الثورة” قد قررت سلوك مسار جديد مع المسؤولين في السلطة أينما صودف تواجدهم في شوارع لبنان. فإذا كان الجواب نعم، مع سبق الاصرار، فذلك يعني حتماً أن هذه المجموعات تتجه نحو الهدم الكامل للدولة والبناء عليها لتسجيل انتصارها، الأمر الذي لا يمكن أن ينجح الا لو استطاعت الحفاظ على زخمها الشعبي وتشكيل مجموعة واحدة موحدة ومنظمة على عكس ما تكشّف خلال التحضير للانتخابات النيابية المقبلة حيث تجلّى بوضوح حجم الصراع الذي أدّى الى تشكيل لوائح مشتتة ووسّع رقعة التوقعات بخسارتها.
 
قلّة قليلة أيّدت التعدّي السافر الذي طال وزير الطاقة، إذ جسّد مظهراً من مظاهر العنف الذي لطالما اثار غضب  “الثوار” طوال فترة “نضالهم” في الشوارع والساحات، حيث وجّهوا آنذاك أصابع الاتهام باتجاه بعض الأحزاب وجماعاتها تارة، والقوى الامنية تارة اخرى. فما الذي ضرب ميزانهم وأسقطهم في دوامة ازدواجية المعايير؟

 
أغلب الظنّ ان هؤلاء يعتقدون بأن مهاجمة المسؤولين في الدولة وتوثيق هجماتهم وعرضها على الرأي العام من شأنه أن يستجمع ذاكرة اللبنانيين من جديد ويُعيد امجاد “الثورة” الى الصدارة، وبالتالي يساهم برفع أسهم “قوى التغيير” في المعركة الانتخابية المُقبلة. لكنّ ما حصل فعلاً أن هؤلاء “استفردوا” بوزير مستجد على حقيبة الطاقة “المأزومة” أساساً إذ تسلّم مهامه بعد وقوع الانهيار، ومن الإجحاف تحميله مسؤولية العتمة الشاملة التي تضرب البلاد. وزير يتنقل في شوارع العاصمة بلا حراسة أمنية، يتقرّب من الناس، يسهر بينهم، يجيب على اسئلتهم ويشرح لهم عن مساعيه لتنفيذ خطة الكهرباء، إذاً ما هو المطلوب تحديداً؟

 
“اللي مش قادر يشتغل يفلّ”، شعارٌ يحفظه “الثوار” عن ظهر قلب يتوجهون به للسذّج من الناس ويستثيرون مشاعرهم من خلاله فيؤيدونهم من دون أن يسألوهم عن بديل! والبديل هنا لا يعني وزير الطاقة بحدّ ذاته، وانما يعني أي مسؤول في هذه الحكومة مُطالب شعبياً بالاستقالة من منصبه في عزّ تردّي الاوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية  وقُبيل موعد الاستحقاق النيابي المفصلي بالنسبة للبنان! فهل استقالة أي وزير او حتى الحكومة بأكملها من شأنها أن تحلّ الأزمة اللبنانية أم انها ستساهم بمزيد من التدهور والخراب؟

 
بلغة العقل، وبعيداً عن العواطف التي تتلوّى ألماً من الحال الذي وصل اليه الشعب اللبناني، فإن بقاء الحكومة بجميع وزرائها واستمرار مساعيها للدخول في مرحلة الإنقاذ المنشود يجب أن يكون مطلباً شعبياً أساسياً، لا سيما وأن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ومنذ تسلّمه موقعه  في رئاسة الحكومة لم يشارك في لعبة الاختباء خلف الأصابع، بل بدا واضحاً في طرح هول الصعوبات التي ستواجه حكومته شارحاً تداعياتها على الواقع اللبناني، واعداً ببذل كل الجهود لفرملة الانهيار الحاصل لا سيما في ظل وجود مظلة خارجية وداخلية تحمي عمل الحكومة.
 
وبالعودة الى سلوك بعض وجوه “الحراك”، فإنّ اقتحام هؤلاء للمقاهي وملاحقة الناس في أماكن السهر وإخراجهم منها بالقوة متسلّحين بالشتائم والاهانات والتعديات اللا اخلاقية في أي خانة يصحّ تصنيفه؟ أليس في ذلك مساهمة بمزيد من الضربات لقطاعات الدولة واختلاق الفوضى وضرب الأمن وإشعال التوترات؟ ثم من أعطاهم الحق بسلب الناس حريتهم تحت أي ظرف أو سبب فاتحين الباب أمام مواجهات قد تؤدي الى ما لا تحمد عقباه؟

 
لا يجوز الاستسلام لمنطق شريعة الغاب في لبنان، وعلى الجهات المختصة ان تقف بحزم امام مسؤولياتها وتضرب بيد من حديد لمنع التفلّت الأمني والاجتماعي ومحاسبة كل من تسوّل له نفسه الانقضاض على اي مواطن، مهما كان شأنه، ليستبيح حريته وكرامته وجسده، تحت أي مبرر، بحجة “الثورة”.
 
قبل أمس، اشتعلت جبهات مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض لما حصل مع وزير الطاقة وليد فياض، حتى أن شريحة واسعة من المتمردين على واقع السلطة في لبنان عبّروا عن استيائهم رافضين “البلطجة” بكل أشكالها. فهل ينقسم “الحراك” بين مجموعات تسعى للإطاحة بالطبقة السياسية لإرساء قواعد الدولة واستعادة حقوق المواطن المخطوفة، وبين أخرى تسعى للانتقام بدافع التخريب… او التهريج؟!