سخونة الساحة اللبنانية ترتفع حرارتها يوما بعد يوم مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، وفي بحر طرابلس طفى الموت المجاني نتيجة الضيق والعوز وما هو اكثر. تحليلات كثيرة أحاطت هذه الفاجعة الوطنية، وروايات الناجين التي وجهت اصابع الاتهام الى مجموعة الانقاذ البحري العسكرية متفقة في معظمها على ان الاتهام المساق ضد المؤسسة العسكرية هدفه قطع الطريق على قائد الجيش جوزف عون للوصول الى سدة الرئاسة.
ربما قد يكون من الصواب انتظار استكمال التحقيقات بشكل شفاف وموضوعي لتحديد المسؤوليات. الا انه على ما رُسم من مشهد بالامس بين طرابلس والجيش يوحي او يؤشر الى أن محاولة استدراج للمؤسسة العسكرية نحو آتون اللهب الذي لم يوفر اي مؤسسة من مؤسسات الدولة، يقابل ذلك تشويه واعادة تصوير طرابلس بما تمثل كمدينة متفلتة خارجة عن الدولة. بالطبع المستفيدون من هذا المشهد كثر، واكثر ما يرجونه من ذلك هو الفوضى المعطلة لحصول الانتخابات النيابية وتليها الرئاسة، اما أقل ما يرجونه فهو ازاحة مرشح رئاسي وبالتالي ازاحة من وراءه من داعمين داخليين وخارجيين. وقد يبدو حزب الله امام هذا المشهد الجالس الوحيد على مقاعد المتفرجين بكفوف ناعمة بانتظار جولة التصفيات الاخيرة ليرمي باختياره تسمية الرئيس دون حرج.
بالطبع، ما يحاك لطرابلس ليس بجديد فهي لطالما رُبط اسمها بالطائفة السنية بخلاف اي مدينة لبنانية اخرى، والاستثمار والتهميش والتشويه الذي تعيشه هو تاريخي ومقصود. فالاغتيال والتشويه السياسي لرجالاتها ومحاولات الاغتيال المعنوي والاغتيال الانمائي والمعيشي لا يمكن اعطاء تعريف له سوى انه محاولة متعمدة لاستكمال ِلَيّ ذراع معادلة التوزنات الداخلية وكسرها وكسر اتفاق الطائف والعينات على هذا الواقع كثيرة.
الكل يعي هذه الواقعة حتى بات يسلم بخروج الطائفة السنيّة من المعادلة السياسية اللبنانية. ربما من هنا تأتي المحاولات الحثيثة في عدة اتجهات التي قام وما زال يقوم بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لا سيما على مستوى ازاحة الغيمة على خط العلاقات بين لبنان ومحيطه العربي وعودة سفراء دول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية ، وذلك في محاولة للتأكيد على دور رئاسة الحكومة بما لها من رمزية في صنع وتصويب مسار القرار اللبناني بما يخدم لبنان وليس بما يخدم طائفة بحد ذاتها. وبالطبع هذا لن يروق للبعض الطامح لخلق معادلة جديدة، لذا فان الخاصرة الطرابلسية كانت وقد تكون ربما وسيلة من الوسائل الناجعة للحصار والاضعاف حتى تحقيق الهدف.