كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: ما تزال الكارثة الوطنية تطغى على طرابلس وأهلها وترخي بثقلها على الحركة الانتخابية التي تبدلت عناوينها بشكل مفاجئ، من التنافس السياسي وتبادل الاتهامات والترويج للبرامج، الى التضامن مع أهالي الضحايا ومواساتهم.
أمام هذه الفاجعة، أنقسم المرشحون الى ثلاثة أقسام، بعضهم عبّر بصدق عن إستنكار الموت المجاني الذي تحول الى خبز يومي في طرابلس وأكدوا دعمهم للأهالي ووقوفهم الى جانبهم في كل مطالبهم وقلصوا من نشاطهم الانتخابي إحتراما لأرواح الضحايا، والبعض الآخر رقص على أوجاع الأهالي، ووجد في المناسبة الأليمة فرصة للاستغلال الانتخابي من خلال تصريحات يومية لم تخل من التحريض والشحن ورفع السقوف وصولا الى منافسة أهالي الضحايا في التعبير عن الحزن والأسى، وذلك في محاولة منهم لاستمالة الشارع الذي كان لديه ردة فعل عكسية تجاههم خصوصا أن مواقفهم وتحركاتهم كانت واضحة الأهداف والمرامي وهي الاستفادة من هذه الفاجعة بحثا عن بعض الأصوات، فيما بدا مرشحون آخرون غير معنيين وهؤلاء إنقسموا أيضا الى قسمين، حيث تابع بعضهم النشاط الانتخابي بشكل طبيعي من جولات وإطلالات إعلامية من دون مراعاة حرمة الموت ليؤكدوا بذلك “غربتهم” عن مجتمع طرابلس وأهلها، فيما بعضهم الآخر بدا غائبا تماما عن التفاعل مع الفاجعة ولم يأت بأي حركة وكأنه يعيش في كوكب آخر.لا شك في أن غرق مركب الموت في بحر طرابلس سيكون له تداعيات كثيرة على الانتخابات النيابية في دائرة الشمال الثانية (طرابلس، المنية والضنية) وسيشكل عاملا مؤثرا جدا على التصويت يوم 15 أيار، فإما أن يضاعف من المقاطعة ويترك الانتخابات الى “من يعنيهم الأمر”، وإما أن يتحول الى تصويت إنتقامي، أو ربما يكون سببا في تعطيل العملية الانتخابية مع تهديد أهالي الضحايا الذين عادوا الى الشارع أمس عبر تحركات وإعتصامات، بأن “لا إنتخابات قبل إخراج المركب الغارق من قعر البحر” وهذا أمر يحتاج الى تقنيات غير متوفرة في لبنان، وقد طلبت الحكومة مساعدة من بعض الدول الأجنبية للمساهمة في تحقيق رغبة الأهالي وفي خدمة التحقيقات الجارية حول سبب غرق المركب.لا شك في أن بقاء أكثرية المفقودين عالقين ضمن مركب الموت على عمق 400 متر، سيترك جرح عائلاتهم مفتوحا، ما قد يعرضه للنزف في كل يوم، وربما يجعله عرضة للاستغلال السياسي لتصفية حسابات مع رئيس الحكومة أو قيادات المدينة، أو يكون سببا في توترات أمنية إضافية ربما تكون مطلوبة عشية الاستحقاق الانتخابي، علما أن أهالي الضحايا تحدثوا خلال مؤتمرهم الصحافي بمسؤولية وطنية وطالبوا بلقاء قائد الجيش العماد جوزيف عون لتقديم ما لديهم من معطيات وللبحث في ملابسات هذه الفاجعة.
كل ذلك، يؤكد أن المفقودين من ركاب مركب الموت، باتوا يشكلون فرادى ومجتمعين قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، وقد تصيب شظاياها محطات عدة من بينها الانتخابات النيابية، خصوصا أن العثور على أي جثة من شأنه أن يعيد التوتر الى المدينة لا سيما خلال التشييع وما يمكن أن يتخلله من إطلاق نار وإغلاق طرقات، فكيف إذا ما خرجت من قعر البحر أكثر من جئة عشية الانتخابات أو في يوم الاستحقاق؟، وكيف ستكون تداعيات ذلك على مراكز الاقتراع المنتشرة في المناطق الشعبية التي ينتمي إليها الضحايا أو على نسب تصويت أهلها؟، وماذا لو تزامن موعد إخراج المركب من قعر البحر مع الاستحقاق الانتخابي؟!..