كنت دائماً أسمع عن عدم قدرة الأهل على شراء ما يرغب به أولادهم من المتاجر، وكنتُ أتمنى ألا أصادف هكذا حالة، الا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن.
فمنذ أيام، كنت أتبضع من احد المحال في بعبدا، ووصلت الى مكان الدفع، لأصادف طفلا برفقة والده ووالدته، يشتريان له لوحا واحدا من المثلجات أو “البوظة”، وعند الوصول الى الدفع قال لهم البائع 25 ألف ليرة، فصدم الوالد وكرر الرقم الضخم بالنسبة اليه، فصدم الطفل بردة فعل الوالد، وقرر الذهاب لاستبدال البوظة.
الصدمة التي شعرها الوالد ثم الابن، شعرت بها بشكل مضاعف، وتذكرت طفولتنا، حيث كان أهلنا لا يرفضون لنا أي طلب، وكنا نشتري ما يحلو لنا، ضمن حدود معينة. فقررت أن أدفع ثمن لوح البوظة الذي يريده الطفل، لكن والدته كانت واقفة بقربي، وحاولت افهام التاجر قراري بالاشارة لكنه لم ينتبه.
لم أكن أريد أن أشعر الوالدة أو الوالد بأي ذنب او احراج، لأن بدا لافتا على الوالد تحديداً كِبَر النفس، لأنه دفع ال 25 الف، قبل أن يقرر ابنه استبداله.
كررت المحاولة مع التاجر، لكن لا جدوى، فعاد الطفل، مع لوح “بوظة الثلج”، دفع الوالد ثمنه 5 آلاف ليرة وغادروا. هنا، قلت للتاجر، نادي الطفل سأدفع ثمن ذلك، لكنهم كانوا قد غادروا.
كنتُ فعلاً أتمنى ألا أصادف هكذا حالة أمامي، أطفالنا اليوم، لا يعيشون طفولتهم بأقل حاجياتها، وجمالها.
صحيح أن ما حدث يبدو “سطحياً” للكثيرين لكنه لن يبدو كذلك للطفل!
هذا التصرف السليم
خلال مصادفتي لهذه الواقعة، حتما كانت مشاعري وعواطفي هي من تفكر وتتصرف، وهذا ما يعاكسه العلم. وهنا، قالت معالجة الأطفال النفسيّة، الاختصاصيّة في التوجيه التربوي، رهام منذر، لـ”لبنان 24″ ان كمية الهدايا والسكاكر التي كان يحصل عليها الأطفال قبل الأزمة المالية كانت غير سليمة لهم، أما ما يحصل اليوم فهو الصحي”، متابعة: “صحيح أن ما يحصل الآن هو أمر صحي لكنه يحصل للاسف نتيجة أزمة اقتصادية وليس نتيحة أن الاهل مقتنعون بهذا التصرّف”.
بالنسبة الى الأهل الذين لا يستطيعون تأمين كلّ رغبات أولادهم بسبب الوضع الإقتصادي، كيف عليهم التصرف؟
تجيب ان هناك حلّين ، الأول يكمن بإخبار الطفل أن البلد والأهل يمران بأزمة إقتصادية ويجب الحد من المصروف، وشراء فقط الأمور الأساسية لكن من دون الدخول في تفاصيل الأزمة.الأطفال عليهم أن يعلموا أن هناك مشكلة مالية، وأن الاهل يعملون جاهدا لتأمين حاجاتهم ورغباتهم”.
وأضافت منذر أما الحل الثاني والأفضل هو تحويل الأمر للناحية الصحية، أي أنه يمكن للأهل التفسير لأولادهم أنه لا يجب أكل السكر سوى مرة في اليوم وذلك خلال وقت “السناك”، وهنا في حال طلب الطفل كمية إضافية من الحلوى والسكاكر، يقال له أنه حصل على الكمية اللازمة لصحته.
ربما كلام الأخصائية أراحني بعض الشيء حول التصرف السليم وغير السليم، لكن لا يمكنني أن أنسى نظرات الطفل الضائعة، والتساؤلات في عينيه.