ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبة عيد الفطر من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بعدما أم المصلين، ومما جاء في خطبته السياسية: “والبداية من هذا الوطن الذي يأتي هذا العيد وإنسانه يعيش تحت وطأة الواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب والذي يترك تداعياته على لقمة عيش اللبنانيين وقدرتهم على تأمين أبسط مقومات حياتهم على صعيد الغذاء والدواء والاستشفاء، ودفع البعض إلى أن يهيموا على وجوههم في بلاد الله الواسعة إلى مصير مجهول من دون أن يبدو في الأفق بصيص أمل للخروج من هذا النفق، بل باتوا يبشرون بأن قادم أيامهم سيكون أصعب من حاضره بعدما أفرغت خزينة الدولة وذهب جنى عمر اللبنانيين أو يكاد بسبب سياسات الفساد والهدر، وسوء الإدارة، فيما الخارج بات الملاذ الوحيد الذي تسعى الدولة لاسترضائه لوقف الانهيار، والذي لا نمنحه البراءة من ان يكون سببا لما آل له البلد، وهو لن يقدم أي دعم إلا بناء على شروطه واملاءاته ومما لا طاقة للمواطنين على تحمل اعبائه أو وزره..”.
وتابع: “من هنا فإننا نقول للبنانيين أن لا خيار لكم لتجاوز هذه المرحلة إلا أن تتعاونوا وتتكاتفوا وبأن يسند غنيكم فقيركم وقويكم ضعيفكم وان لا يدفعكم الجشع وحب المال لاستغلال بعضكم بعضا. ونحن هنا نحيي روح التعاون والتكافل التي تأتي من أفراد وجهات، مقيمين ومغتربين، والتي أسهمت وتسهم في التخفيف من معاناة من يحتاج إلى عون وفي صموده أمام هذا الواقع الصعب ونريدها أن تتسع لتكون على مساحات الوطن. وفي الوقت نفسه نريد لهذا التعاون أن يصل لإحداث تغيير في هذا الواقع المأسوي الذي وصلنا إليه بإنتاج طبقة سياسية جديرة بهم تحمل هموم الناس وتطلعاتهم …”.
أضاف: “نقول للبنانيين الذين يستعدون لموسم انتخابي أن قرار هذا البلد ومستقبله بأيديكم… نريدكم أن تكونوا أمناء على أصواتكم فلا تضيع في الحسابات الخاصة أو تخضع لإغراء هنا أو تهديد هناك… اختاروا الامناء الصادقين.. الجادين في إخراج البلد من النفق المظلم الذي دخل فيه لا تصغوا إلى الشعارات الفضفاضة ولا إلى الخطابات الشعبوية بل إلى المواقف العملية والواقعية والقابلة للتحقق التي توصل الوطن إلى شاطئ الامان ولا تلدغوا مجددا من جحور من أفسدوا وشرعوا البلد ليتلاعب به الخارج… إن أصواتكم مسؤولية أمام الله أولا وأمام الناس والأجيال المقبلة في مرحلة هي أصعب المراحل على البلد وتحدد مصيره ما بين البقاء أو الضياع أو الارتهان”.
وتابع: “في هذا الوقت لا بد من التنبه إلى خطر العدو الصهيوني الذي لا يزال يتهدد لبنان في البر والبحر والجو وفي ثروته الوطنية وندعو إلى تراص الصفوف في مواجهة غطرسته بمزيد من الوحدة والإبقاء على مواقع القوة فيه وأن لا تكون ساحة للتجاذبات والصراعات والانقسامات، فالحريصون على هذا البلد لا يفرطون بمواقع القوة فيه بل يحفظونها”.
أما على صعيد فلسطين “التي يأتي إليها هذا العيد مخضبا بدماء الشهداء ومعاناة الجرحى والأسرى وقهر الحصار وفي الوقت نفسه مفعما بأريج العنفوان والعزة والكرامة التي تجلت في غزة والضفة الغربية وفي الداخل الفلسطيني وعلى مداخل المسجد الأقصى وفي باحاته وفي القدس، فإننا في هذا العيد نحيي صمود هذا الشعب ونقدر عاليا التضحيات التي قدمها ولا يزال..”.
وندعو إلى “الوقوف مع هذا الشعب ودعمه بكل الوسائل حتى لا يستفرد لوحده في المواجهة وننوه بكل من وقف إلى جانبه ومده بعناصر الصمود التي تضمن له الاستمرار بمقاومته..”.
أما على صعيد العالم العربي والإسلامي، فإن هذا العيد “يأتي وهذا العالم لا يزال يعاني من الانقسام الذي سمح للعابثين بأمنه واستقراره وقوته أن يجدوا مجالا رحبا لهم”.
وقال: “إننا في هذا العيد ندعو هذا العالم إلى أن يدرك مكامن القوة التي يمتلكها ان حركها واستفاد منها، وعمل إلى إزالة كل ما يتهدد العلاقات بين دوله وشعوبه وأن لا يندفع وراء كل من يسعى لزرع المخاوف من بعضه البعض، وإثارة الحساسيات والأحقاد التي يتقنها كل من لا يريد خيرا لهذا العالم. ومن هنا فإننا نحيي أي جهد يبذل لتعزيز لغة الحوار بين دوله وشعوبه كالذي يجري بين الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية والعمل لطي صفحة الحرب نهائيا في اليمن الذي اكتوى شعبها العزيز بنارها أو غير ذلك.
على هذا العالم ان يعي أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل الخلافات في ما بين دوله ولإزالة الهواجس والمخاوف الحقيقية او تلك المصطنعة”.
وتابع: “نبقى على صعيد هذا العالم لننبه إلى مخاطر عودة الإرهاب التكفيري للعبث بأمنه واستقرار دوله والعلاقة بين مكونات شعوبه والذي عانى منه ونشهد آخر فصوله في أفغانستان في تفجير المساجد. ونحن في هذا المجال ندعو إلى بذل كل الجهود من اجل مواجهة منطلقاته التي تجعله يستبيح الدماء البريئة وهي في بيت الله والعمل لتعزيز أواصر الوحدة الإسلامية من حيث أنها تشكل السلاح الأفعل في مواجهة المنطق التكفيري..”.
وختم موجها دعاء إلى الله، أن “يحمل إلينا هذا العيد تباشير الخير والمحبة والسلام على كل الصعد وان يكون عيد خير وسرور، نحرص أن ندخله إلى بيوتنا وبلداتنا ومدننا وكل عام وأنتم بخير…”.