قبل يومين ، وخلال لقائه مع مجموعة من العسكريين القدامى، أطلق رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل رسالةً بشأن “السلاح الشرعي” في لبنان، فاعتبر أنّه “في النهاية ليس هناك إلا الجيش وسلاح الجيش للدفاع عن أرضنا”، وأضاف: “لسنا من قام باتفاق الطائف ولسنا من شارك في حكومات في أوائل التسعينات، بينما هم شاركوا في حكومات شرّعت السلاح في بياناتها الوزارية”.
فعلياً، فإنّ كلام باسيل يحتمل تأويلات أساسية، وهو يأتي في ظلّ معركة الانتخابات النيابية التي ستُخاض بعد أقل من 15 يوماً. وحتماً، فإن المعروف هو أنّ باسيل لن يُهادن وسط اعتبار أن هناك هجمة عليه. لكنه، في كل الأحوال، يبقى لزاماً على رئيس “الوطني الحر” توضيح الموقف الأخير بشأن السلاح، وتبيان سببه تهميشه لمعادلة كان يؤمن بها ويشدّد عليها.
هل من جبهة ضدّ “حزب الله”؟
من يقرأ كلام باسيل أمام العسكريين القدامى سيستنتجُ أمراً أساسياً وهو أنّ الأخير يصوّب بشكل غير مباشر على سلاح “حزب الله”. وضمنياً، فإنّ ما يقوم به باسيل يتوافق تماماً مع معركة “القوات” التي تُخاض ضدّ سلاح “حزب الله”، لأنها تعتبر أن الأخير أحكم سيطرته على البلد بسلاحه، وحصر قرار الحرب والسلم بيده.
ما قاله باسيل لا ينكره “حزب الله” إن كان لناحية دور الجيش في حماية لبنان، لكنّ رئيس “الوطني الحر” يعلمُ تماماً أن النقطة الخلافية بشأن السلاح لم تسلك طريقها نحو الحل، والتذكير بها من قبلِه خلال فترة الانتخابات إنما قد تدلّ على فتحِ ملفٍ صدامي مع الحزب في مرحلة حساسةٍ جداً.
من دون أدنى شك، فإنّ إشارة باسيل إلى مسألة السلاح بهذا الشكل تشيرُ إلى أنّه ألغى دور المقاومة التي يؤمن بها حليفه “حزب الله”، وبالتالي يكون قد نسفَ قاعدة التفاهم بين “الوطني الحر” والحزب في مار مخايل عام 2006.
في الخلفيات، فإنّ باسيل يمكن أن يكون قد سعى لتبني الخطاب المؤيد للدولة والابتعاد عن الكلام الذي يؤثر عليه في الأوساط المسيحية، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بـ”الخلاف حول سلاح حزب الله”. إلا أنه في المقابل، فإن بعض الأوساط اعتبرت أن باسيل يمكن أن يكون قد اتخذ قراراً بفتح جبهة مع “حزب الله” باعتبار أن الأخير لم يعطهِ أي وعود لدعمه في معركة رئاسة الجمهورية.
ولهذا، فإنّ باسيل يمكن أن يمهّد لتلك المعركة من باب الكلام السياسي والانتخابي، ومن الجائز أيضاً أن يكون التصويب على مسألة السلاح بهذا الشكل هدفهُ كسر أي خطابٍ فتنوي وتحريضي ضد باسيل وحزبه، وذلك من قبل الجهات والأطراف الأخرى التي تقول إن باسيل يرضخ لسلاح “حزب الله”. ووسط كل ذلك، فإنّ هناك سؤالاً يطرح نفسه: هل سيؤثر هذا الكلام على تحالف حزب الله مع باسيل في الانتخابات؟
بشكل أكيد، فإنه من غير الطبيعي أبداً لجوء باسيل إلى التخلّي عن “حزب الله” في معركته الانتخابية لأن المصير فيها مشترك، والصدام يطال الجهتين. ولذلك، فإنّ أي مواقف مهما كانت تصعيدية، لن تُعطي مجالاً لزعزعة العلاقة الانتخابية أولاً والعلاقة السياسية. ولذلك، فإنّ الصدام بين الحزب وباسيل لن يتحقق حالياً، إلا أنه قد يتبين بعد الانتخابات من خلال مواقف وخطوات تصعيدية في السياسة. وحكماً، فإن أقل ما يقال اليوم هو أن المطلوب تمرير الانتخابات بسلاسة وتحقيق الانتصارات، وبعدها يتم البحثُ بالملفات الخلافية.