“المردة” في طرابلس… حضور قوي وعلاقة وطيدة مع سليمان عبيد

4 مايو 2022
“المردة” في طرابلس… حضور قوي وعلاقة وطيدة مع سليمان عبيد


غالبا ما تتجه الأنظار إلى عاصمة الشمال طرابلس وتُرسم حولها حكايات لا تمت إليها بصلة مرتبطة .
لكن طرابلس وفي أساسها وجوهرها لا تشبه التطرف ولا الفقر ولا التقوقع الطائفي، فهي مدينة ملامسة للشاطىء وفيها كل مقومات الحياة التي تسمح لها أن تكون واحدة من أغنى المدن، وهي عبر التاريخ عرفت التنوع الطائفي والمذهبي من بابه العريض ما يجعلها أبعد ما تكون عن الطائفية والتعصب والإرهاب.

 
وعلى الرغم من هذه الحقيقة، ظهرت عدة عوامل وضعت المدينة في خانة الفقر والطائفية والتطرف، ما جعلها متعارضة مع تاريخها وطبيعة اهلها وناسها، وفي هذا الاطار قد يكون الكلام طويلا عن الأسباب والدوافع التي رسخت هذه الصورة عن مناطق الشمال عموما وطرابلس خصوصا.
ولاختصار الكلام، لا بد من الاشارة الى اعتماد المسيحيين سياسة الخروج والابتعاد عن المدينة وهو سبب من الأسباب المباشرة والرئيسية التي وضعت المدينة في الخانة المشار اليها.
 
فالمسيحيون من أبناء المدينة الذين اتبعوا سياسة النزوح الى المدن الشمالية المجاورة لها او الى العاصمة بيروت او سياسة الهجرة الى بعض الدول العربية وغير العربية، قد تكون خطواتهم مبررة لاسيما بعد النتائج الكارثية التي وصلت اليها المدينة والتي تمظهرت مؤخرا في زوارق الموت المتنقلة هربا بين البرّ والبحر.
 
لكن وفي الوقت عينه شكلت هذه الخطوات سببا لتفريغ المدينة من روحها ونبضها، والملامة هنا ليست على الأفراد والأشخاص الذين لهم كل الحق في اعتماد ما يرونه مناسبا لتحقيق مستقبل أفضل وواعد، انما الملامة هي على الأحزاب والقوى المسيحية التي اعتمدت بدورها سياسة التقوقع والاتجاه بشكل فاعل الى المدن والقرى والأقضية حيث يظهر التواجد المسيحي بأبهى حلله.
 
وللأسف لا يقتصر هذا النمط على المسيحيين وحسب انما على مختلف مكونات المجتمع اللبناني التي بدلا من تعزيز الحضور المشترك غرّها وأغواها الحضور غير المختلط وهذا ما تم تثبيته بطريقة او بأخرى عبر قانون الانتخابات النسبي وصوته التفضيلي الذي بدأ العمل فيه منذ العام 2018.
 
وبالعودة الى طرابلس والحضور المسيحي فيها، نجد ان الاحزاب والتيارات المسيحية الأساسية تحاول بمعظمها الهروب من معركة طرابلس او بأفضل الحالات اعتبارها معركة شكلية وغير اساسية، فحزبا “القوات اللبنانية” و “التيار الوطني الحر” أرادا في الـ2018 الغاء التمثيل الماروني في المدينة وتحويله الى البترون بما يتناسب مع توجههما وحضورهما.
 
ووفقا لآخر الأرقام، ينحصر الوجود المسيحي الحالي في طرابلس بما يقل عن 5000 مواطن، ما يجعل الاحزاب المسيحية التي تتحدث لغة الطائفية والمذهبية تبتعد عنها، وما يجعل من الاحزاب والتيارات المسيحية المؤمنة فعلا بالعيش الواحد وباللغة الوطنية ان تجد فيها ملاذا آمنا لأفكارها وتطلعاتها وتحركاتها.
 
وهذه هي الحال مع تيار المردة، الذي أرسى قواعد المصالحة مع المدينة منذ زمن طويل جدا، فتحوّلت العلاقة الى أكثر من طبيعية بينها ، لا بل تحوّلت العلاقة بين مدينتي طرابلس وزغرتا الى علاقة صمود ووجود، ما جعلها عصية عن الاهتزاز على الرغم من الكارثة الكبيرة التي حلت بالوطن في العام 2005.
 
ومن يعرف الطرابلسيين فعلا، يدرك ان للوزير السابق سليمان فرنجية مكانة خاصة في وجدانهم وذلك ليس عبر العلاقات التاريخية التي نسجها مع زعماء المدينة كالرئيس نجيب ميقاتي وآل كرامي والنائب الراحل جان عبيد وحسب، انما أيضا عبر الشعور السائد في أوساط ابناء المدينة انهم بمنزلة اهل بالنسبة للمردة ورئيسها وهذا ما ثبتته المقولة الشهيرة التي ظهرت خلال تولي فرنجية لحقيبة الصحة والتي مفادها أنه أمام ابواب المستشفيات يعامل الطرابلسي تماما كما الزغرتاوي.
وعلى كل أثبتت تجربة فرنجية في وزارة الصحة ان الحقوق في الطبابة والاستشفاء واحدة ومتوازية عند كل المواطنين.
وهذا الواقع، ترجم في أكثر من دورة انتخابية عبر نيل مرشح المردة الثابت عن المقعد الأرثوذكسي في المدينة رفلي دياب نسبت متقدمة ووازنة من أصوات أهل المدينة التي لم تستطع ايصاله الى الندوة البرلمانية بسبب طبيعة القوانين المعتمدة لاسيما لناحية الكسور واحتسابها.
 
وهنا، يسأل المتابعون عن عدم اقدام “المردة” على ترشيح شخصية مارونية في المدينة نظرا لحضوره فيها ولعلاقته بأبنائها، وفي هذا الاطار، يؤكد مصدر مطلع في صفوف تيار المردة لـ”لبنان 24″ ان “تيار المردة لا يعتمد السياسة الالغائية، انما يتعاطى دائما بدقة وبوضوح مع مكونات اي مدينة لبنانية، وبالنسبة لمدينة طرابلس احترم تيارنا وجود الوزير الراحل جان عبيد فيها واعتبر وصوله الى البرلمان او الحكومة او الرئاسة الأولى انتصارا له وللشمال وللبنان، واليوم المسيرة مستمرة مع سليمان جان عبيد الذي أطلق عليه والده اسم سليمان تيمنا بالرئيس الراحل سليمان فرنجية”.
اذا وامام هذا الواقع، يبدو حضور “المردة” في طرابلس علامة وطنية فارقة في زمن شد العصب الطائفي والمذهبي سعيا وراء قوة التمثيل التي أحالت البلاد الى جهنم بمختلف درجاتها.