كتب عبد الله قمح في” الاخبار”: تستحوذ مجموعة عائلات على ما يصطلح تسميته بـ»تجارة الموت» في الشمال. غالباً كانت تلك العائلات تمتهن الصيد، ومع بدء الحرب في سوريا ونزوح آلاف السوريين إلى لبنان وازدهار مهنة التهريب، استبدل كثيرون كارهم وتحوّلوا إلى تجارة التهريب مُهرّبين فخلقوا سوقاً وبورصة أسعار تتبدّل وتتغير دورياً باختلاف الظروف ونسبة المخاطر المحدقة بكلّ عملية، سواء كانت أمنية أو مناخية. وبحسب متابعين للملف، كانت تكلفة الرحلة في البدايات تُراوح ما بين 800 إلى 1000 دولار أميركي للشخص، قبل أن تتطوّر خلال الأعوام اللاحقة وتبلغ بين 1000 إلى 1500 دولار بين عامي 2018 و2019. ومع دخول لبنان في أزمته الاقتصادية، اتجهت الأسعار صعوداً لتُراوح في عام 2022 ما بين 3500 إلى 4000 دولار أميركي مهما بلغ عمر الراكب. ويتوقع متابعون أن تشهد الأسعار مزيداً من الارتفاع، خاصة في ظلّ اتساع رقعة الحملات الأمنية على المهرّبين من جهة، وزيادة الطلب على الهجرة غير الشرعية من جهة ثانية، سيّما من أبناء الشمال ومن السوريين، وهذا يرتّب استغلالاً واضحاً من قبل المهرّب، إلى جانب استقطاب هذه المهنة أشخاصاً جدداً ما يُهدّد بتوسّعها.
وفي هذا السياق، تُشير معلومات أمنية حصلت عليها «الأخبار»، إلى أن نصار تسلّمت 20 ملف تهريب غير شرعي عبر البحر بين عامي 2020- 2021، تجاوز عدد الموقوفين في 19 ملفاً منها ما يقارب الـ50 فرداً وقد ادّعت عليهم جميعاً سنداً إلى المادة 586 عقوبات، باستثناء ملف واحد يتصل بقضية «عبّارة الموت» التي ضجّ بها لبنان عام 2020، إذ طالبت فيها بعقوبة الإعدام للمتورّطين فيها، من بينهم أ.ع. صوفان الذي ألقيَ عليه القبض أخيراً بعدما كان متوارياً، قبل أن يُبادر القضاء لاحقاً إلى إخلاء سبيله، شأنه شأن الـ50 موقوفاً الآخرين. من بين هؤلاء م.ع. البزرباشي وشقيقاه أ.ع. البزرباشي وع.ع. البزرباشي، ج. حبيب وشقيقه م.س.حبيب، أ. السبسبي وشقيقه ع. السبسبي، ط. بهلوان وأشقاؤه من بينهم س. بهلوان، بالإضافة إلى د. إواظة وشقيقيه ع. إواظة وح. إواظة وهي من العائلات المشهورة بالتهريب في طرابلس، ومعهم أ.و. المسلماني وآخرون من آل العبدالله. لكنّ الاسم الذي يُثير الانتباه، يعود إلى نقيب الصيادين في شمال لبنان م. أنوس.
وبحسب معلومات «الأخبار»، أوقف أنوس عام 2021 ثم أُخليَ سبيله في ملف يعود إلى خلاف وقع بينه وبين ر. الدندشي (المسؤول عن شراء المركب الذي غرق أخيراً قبالة طرابلس) وشقيقه ع. الدندشي على خلفية عملية تهريب غير شرعية. وفي المعلومات أن آل الدندشي الذين انضموا إلى «كار التهريب» حديثاً، كان أحدهم قائداً لأحد محاور طرابلس إبان المواجهات التي شهدتها المدينة بين عامي 2011 و2014. وكان الشقيقان الدندشي، وفق معلومات «الأخبار»، قد أوقفا أواخر عام 2021 ثم تُركا بسند إقامة على خلفية إبحارهما بقارب يُدعى «إسكندر الكبير» وعلى متنه حوالي 96 شخصاً غالبيتهم من النساء والأطفال. وتشير النشرة الأمنية إلى أن المركب تمّت مطاردته من قبل دورية تابعة للقوات البحرية من دون أن يمتثل لينجح بتجاوز المياه الإقليمية، لكنه عاد وأطلق لاحقاً نداء استغاثة لتتوجه دورية وتعمل على إنقاذ من عليه بعدما كاد المركب يغرق. جميع هؤلاء المذكورة أسماؤهم أعلاه يشكلون «عصابات أشرار» لتهريب الأشخاص لقاء مبالغ مالية بالفريش دولار، يتم تأمينها من قبل المهاجرين من خلال بيع أو رهن ممتلكاتهم.
لكن ما هي الأسباب التي تدفع بالقضاء عادةً إلى إصدار إخلاءات سبيل بحق الموقوفين المتورّطين والتساهل معهم بدل إدانتهم؟القضية متشعّبة، تمتزج بين السياسي والقانوني. في الإطار القانوني وفي غالبية الأحيان يأتي التبرير بأن القاضي يفتقد إلى عناصر إدانة مسنودة إلى موادّ واضحة، بسبب عيب في المواد التي تحتاج إلى تعديلات، إلى جانب عدم وجود رغبة لدى القضاة في معظم الأحيان بالاجتهاد، خاصة أن معظم الموقوفين ينفون عادة تهمة «تهريب الأشخاص»ويتذرّعون بالهرب لأسباب اقتصادية بدليل اصطحابهم قاصرين. والهرب في مطلق الأحوال قضية لا يعاقب عليها القانون مع لفت النظر إلى أنه يُمكن إنزال عقوبات في حالة اصطحاب القاصرين. هذه الجزئية الصغيرة، يتم استغلالها بشكل واضح من قبل المهرّبين للنفاذ من التوقيف والادعاء.لكن وبعد كارثة «مركب الموت» الأخيرة، والتأكد من أن غالبية العمليات تتم لغاية الربح وتأمين السيولة النقدية بما يتجاوز النفقات المرصودة لأي عملية مماثلة، بات يجب على القضاء إعادة النظر في ملفات التهريب من زوايا مختلفة والتشدّد أكثر.