اللبنانيون المنتشرون في مختلف قارات العالم قالوا في 6 و8 أيار كلمتهم ولم يمشوا، في إنتظار أن يقول اللبنانيون المقيمون كلمتهم في 15 من الشهر الجاري. وما بين هذه التواريخ يبقى الهمّ مشتركًا بين من هم في الخارج ومن لا يزالون في الداخل. الجميع يسألون: ماذا بعد؟ ماذا بعد 15 أيار 2022؟ هل ستُحدث هذه الإنتخابات التغيير المطلوب؟ هل يمكن أن تكون هذه الإنتخابات، بغض النظر عن نتائجها المتوقعة سلفًا، بداية لحل ما لهذا الكمّ من الأزمات التي يعيشها جميع اللبنانيين؟
أسئلة تُطرح في كل مكان ونسمعها تتردّد على كل شفة ولسان كبير وصغير، مقيم ومغترب، مقتدر ومعدوم. ولكن تبقى كل هذه الأسئلة من دون أجوبة شافية، خصوصًا أن غالبية الطبقة السياسية الحالية ترفع شعارات وعناوين مبهمة من دون أن تقدّم للمواطن ما يمكن أن يثلج صدره ويطمئنه إلى غده، الذي لا يزال غامضًا ومبهمًا، وإلى جنى عمره الذي ضاع بين ليلة وضحاها، وإلى مستقبل أولاده، الذين أصبحوا مشروع هجرة دائمًا بحثًا عن فرص عمل خارج أسوار بلد تضيع فيه الفرص السانحة.
اللبنانيون المنتشرون الذين أدلوا بأصواتهم في إنتخابات يعتبرها الجميع “مصيرية” و”مفصلية” و”تاريخية” قرروا عدم ترك وطنهم وحيدًا يتخبطّ بأزماته المتراكمة.
قرروا أن يمدّوه بالأمصال حتى يبقى على قيد الحياة.
قرروا أنهم لن يتخّلوا عن وطنهم الأم مهما باعدت بينه وبينهم المسافات، وهو الوطن الذي لا بديل لهم عنه.
قرروا أن يكونوا له السند والعضد.
قرروا أن يحرّكوا العالم ليهبّ هبّة واحدة لمدّ يد المساعدة لهذا البلد المعذّب.
قرروا أن يرفعوا الصوت عاليًا في كل مكان من العالم.
قرروا ألا يقفوا على الحياد في الدفاع عن وطن تُستباح فيه كرامة الإنسان.
قرروا أن يعملوا ليرجع الدهر ما كان في لبنان.
قرروا إعادة الحياة إلى وطن الحياة.
قرروا أن يعيدوا إلى الذاكرة مقولة “نيال كل مين عندو مرقد عنزة بلبنان”.
كل هذه القرارات وغيرها الكثير مرّت في خاطر كل لبناني أجبرته الظروف على ترك وطن الأباء والأجداد في لحظة إسقاطه الورقة في صندوقة الإقتراع.
فاللبناني هو هو أينما كان وأينما وجد. هو لبناني في سوريا والأردن ومصر والسعودية والإمارات وقطر واليمن والكويت والعراق والبحرين وفي طهران.
هو لبناني في أسيا وأوروبا وأفريقيا وكندا والأميركيتين واستراليا. هو لبناني الجذور، وسيبقى لبناني الهوى والإنتماء.
اللبنانيون غير المقيمين إقترعوا ولكنهم لم يمشوا. هم عائدون إليه كما في السابق. قالوا كلمتهم الفصل وأختاروا بحرية ضمير ومن دون أن يضغط عليهم أحد. صوتوا وفق قناعاتهم، ولكل منا قناعاته الشخصية، وهي تصبّ في تعزيز الديمقراطية الحقيقية والقائمة على التمايز والفرادة، ولكن يجب أن تصبّ كلها في خانة تدعيم وحدة البلد، أرضًا وشعبًا ومؤسسات.