تشكل الجمعيات الرعائية غير الحكومية في لبنان قوة فاعلة، بحيث لم يعد دورها مقتصراً على تقديم خدمات رعائية تقليدية ، بل ان دورها تجاوز ذلك لتصبح شريكاً فاعلاً في الخدمات الثقافية والتعليمية والصحية والاجتماعية وتعزيز الدخل والتدريب والتمكين ، وغير ذلك من الميادين، مما جعلها تقع في منزلة الدولة في المواضيع التي تهتم بها.
اليوم في ظل الازمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، والتضييق الكبير من المصارف على اموال المودعين. كيف تواجه الجمعيات هذه المشاكل والتعقيدات؟ وهل سيأتي يوم تعلن فيه هذه المؤسسات عدم قدرتها على الاستمرار وتذهب إلى اقفال ابوابها اذا استمر الوضع على ما هو عليه من التأزم؟
حاجة وضرورة
مصدر مطلع قال في اتصال مع “لبنان 24”: “ازاء تفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي في لبنان، باتت هذه الجمعيات تشعر اكثر فأكثر بضرورة ايجاد حلول لمشكلاتها مع المصارف، وذلك من اجل الاستمرار في تقديم المساعدات للأشخاص الذين تتعهدهم هذه المؤسسات”. المصدر دعا في حديثه المعنيين “إلى ايلاء هذه القضية الاهمية التي تستحق خاصة في بلد كلبنان، تشكل قضايا اليتم والتشرد والاعاقة العقلية والجسدية والتربية والتعليم عبئاً كبيرأ على الدولة ، خفف من حدته ظهور مؤسسات منظمة تؤدي خدمات اجتماعية لصالح فئات كثيرة من الشعب ضمن كيان خاص لها، مجهز بشريا ومادياُ”.
الاقفال في اي لحظة
رئيس جمعية أصدقاء المعوّقين ورئيس الاتحاد الوطني للإعاقة العقلية في لبنان الدكتور موسى شرف الدين أكد في حديثه لـ “لبنان 24” انه “منذ أول حزيران 2020 وحتى تاريخه لم يتمّ تحويل أيّ قرش إلى المؤسسات الرعائية في لبنان، بسبب الاجراءات في المصارف”. شرف الدين اوضح ” انهم تبلغوا من مصرف لبنان بأنه سيتمّ الدفع،ولكن وعلى الرغم من تسليم اللائحة للمصرف، لم يتم الدفع حتى الان”، واضاف:”لدينا تبرّعات في المصارف من أصحاب الأيادي البيضاء، ولكن لم نستطع الحصول عليها حتى تاريخه”.
شرف الدين حذر ” من خطورة الوضع لا سيّما أن الاتحاد يقدّم خدمات لأكثر من 3100 شاب وشابة من ذوي الإعاقة العقليّة، وهذه الخدمات باتت مهددة بالتوقف”.
وقال : “كان بدل الرعاية من وزارة الشؤون الاجتماعية 19000 ليرة، ثمّ ارتفع إلى 24 ألفاً، ولاحقاً ارتفع إلى 300 ألف ليرة في اليوم، ولكن هذه المبالغ لم نقبض منها شيئاً حتى الان.”
تأمين الرعاية من السوق السوداءاما المديرة التنفيذية لمؤسّسة “سيزوبيل” فاديا صافي فقد حذرت في حديث لـ “لبنان 24” من الوضع “الكارثيّ الذي قد تصل اليه المؤسسات الرعائية في لبنان في حال استمرت المصارف في احتجاز اموال المودعين لديها، فشح الاموال ادى إلى عدم توفر الكهربأء، والتي تحتاج لشراء المازوت لتشغيل المولّدات، وهذا ما فرض على الإدارة تقليص أيّام العمل، واللجوء إلى “الخدمات أون لاين”.مشكلة اخرى لا تقل خطورة عن احتجاز اموال المودعين تواجه المؤسسات الرعائية تحدثت عنها المدير التنفيذية لمؤسسة “سيزوبيل” ايضاً ، وهي عدم قيام وزارة الشؤون بدفع بما يتوجب عليها للمؤسسات الرعائية منذ اكثر سنة حتى اليوم بموجب العقود الموقعة بين الطرفين .واردفت قائلة :” اما قمة المأساة فهي تكمن في المساعدات التي تأتي إلى المؤسسات الرعائية من قبل متبرعين، ومعظمها بواسطة شيكات مصرفية ترفض البنوك ان يودعها العملاء في حساباتهم الجارية، مما حمل اصحاب مؤسسات الرعاية الاجتماعية تحت ضغط الحاجة، إلى الذهاب لصرفها من السوق الموازية بأقل من قيمتها ب 35% .نتيجة مساومات تجار العملة، والذين لا يتورعون عن استغلال الظروف للقيام بمضاربات غير مشروعة ومدمرة على النقد الوطني.صافي قالت ايضاً: “نحن قطاع إنسانيّ، ولا نستطيع منع العلاج عن الأطفال، ولا حجب المساعدات عن العوائل المحتاجة لدعمنا”. الامر يستدعي إيجاد آليةٍ، تضمن لتلك المؤسّسات الحصول على الأموال من المصارف، وأن لا يطبّق عليها ما تعتمده المصارف ومصرف لبنان من إجراءات وتعاميم منذ بدء الأزمة في تشرين الثاني من العام 2019 .واشارت في حديثها ايضاً إلى” أن هناك 250 موظفاً في المؤسّسة، تأثروا سلباً بالآلية المتّبعة في المصارف”، وحذرت من “ان عدد المتضرّرين قد يصل إلى نحو 1000 أو 1500 شخص في حال إقفال المؤسّسة”.