قبل الصمت الانتخابي “المستقطع” استعدادًا لانتخابات موظفي أقلام الاقتراع المقرّرة غدًا الخميس، بلغت الحملات الانتخابية في اليومين الأخيرين “ذروتها”، حيث كثّف المرشحون والأحزاب من إطلالاتهم، رافعين معها وتيرة الخطاب إلى أعلى السقوف، وسط اتهامات متبادلة، وصلت حدّ “تخوين” المنافسين في بعض الأحيان، رغم ما ينطوي على ذلك من مخالفة لقانون الانتخاب.
ومع اشتداد الحملات بالشكل الذي رُصِد في اليومين الماضيين، ازدادت التكهّنات حول “السيناريو” الذي قد تحمله صناديق الاقتراع يوم الأحد المقبل، خصوصًا بعدما حوّل البعض الاستحقاق إلى قصّة “حياة أو موت”، بل رفع من سقف التوقعات والرهانات على الانتخابات، من خلال إعادة ملفات وبنود خلافية واستراتيجية، على غرار سلاح “حزب الله”، إلى قلب “الاستقطاب” وصدارته.
ومع أنّ القوى السياسية تتعامل مع الانتخابات وكأنّها “محسومة سلفًا”، وأنّ “الهامش” الذي يبقى مُتاحًا نتيجتها، يبقى محدودًا ومضبوطًا، ثمّة علامات استفهام طُرِحت عمّا إذا كان “السيناريو العراقي” قد يجد مداه في بيروت يوم الأحد المقبل، إذا لم تأتِ النتائج على قدر توقعات البعض، خصوصًا أنّ الساحة اللبنانية تبقى برأي كثيرين بيئة خصبة للتوتر والفوضى، ولا سيما أنّ “نقاط التشابه” بينها وبين العراق أكثر من أن تُعَدّ أو تُحصى.
مخاوف حقيقية
في هذا السياق، ثمّة من يتحدّث عن “مخاوف وهواجس” حقيقية من “السيناريو” الذي قد يترتّب على استحقاق الأحد، في ظلّ “الجنون” الذي وصلت إليه الحملات الانتخابية في الأيام الأخيرة، والتي استعرت بشكل خرج عن كلّ الحدود المرسومة، ولو أنّ البعض يضعه في إطار “الاستقطاب” الطبيعي في الساعات الأخيرة قبل فتح صناديق الاقتراع، حتى ولو انطوى على مخالفات وانتهاكات للقانون المرعي الإجراء.
ولعلّ ما عزّز من هذه “الهواجس”، الشكاوى التي ازدادت في الأيام الأخيرة، والتي انطوت في مكان ما على “تشكيك مسبق” بالنتائج إذا لم تأت وفق “أهواء” البعض، وهو ما ينطبق على سبيل المثال، على سردية “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، الذي “يشكو” ممارسات خصومه، من “القوات” و”الكتائب” وغيرهما، ويتهمهما بتجاوز سقف الإنفاق الانتخابي المسموح به بموجب القانون، ويتحدّث صراحة عن “شراء للأصوات”.
وما يخشاه كثيرون ينطلق من بعض ما جاء على لسان باسيل الذي سبق أن دعا منظمات المراقبة الدولية إلى أن تتخذ موقفًا، حتى لا تكون شاهدة على وصفها بـ”أكبر عملية تزوير” في تاريخ الانتخابات اللبنانية، علمًا أنّ هناك من يخشى أن يزداد “الشحن” على هذا الصعيد من الآن وحتى يوم الأحد، تحسّبًا لأيّ نتائج يمكن أن تسفر عنها صناديق الاقتراع، خصوصًا في المناطق التي تشهد “حماوة”، والتي لا تبدو “مضمونة سلفًا”.
الأحد يوم آخر
لكن، في مقابل هذه المخاوف، يجزم العارفون بأنّ سيناريو “الفوضى” في يوم الانتخابات أو بعده لا يزال مُستبعَدًا، أولاً لأنّ العملية الانتخابية تتّسم حتى الآن بحسن التنظيم، رغم كلّ الشكاوى، وأنّ إدارتها تتمّ بالشكل المطلوب لوجستيًا، في ظلّ الظروف الصعبة، بدليل “الإشادات” التي حظيت بها عملية اقتراع المغتربين الأسبوع الماضي، وسط مراقبة محلية ودولية، في مشهد يُعتقَد أنّه سيتكرّر الأحد المقبل.
أما السبب الثاني وفق ما يقول هؤلاء فيكمن في أنّ “لا مفاجآت نوعية” منتظرة من الانتخابات، خصوصًا أنّ كلّ التقديرات لا تزال تصبّ في خانة القوى والأحزاب التقليدية، القادرة على إحداث أيّ “فوضى”، وأنّ المنافسة الحقيقية لا تتمّ سوى على عدد محدود من المقاعد، قد يكون مهمًّا بالنسبة لبعض القوى والأفرقاء، إلا أنّها لن تحدث “انقلابًا” في خريطة المجلس النيابي وتوزيع القوى السياسية عليه بطبيعة الحال.
أكثر من ذلك، يقول البعض إنّ أحدًا من الأفرقاء لا يريد “انتصارًا كاسحًا” في هذه الانتخابات حتى يذهب إلى أيّ “تصعيد”، فـ”حزب الله” سبق أن أعلن أنّ طموحه ليس الحصول على أكثرية الثلثين في المجلس، بل إنّ هناك من يجزم أنّ مصلحته تكمن في أن يكون المجلس المقبل “منوَّعًا” على غرار المجلس الحالي، ولو أنّه يخوض بشراسة معركة حليفه “التيار الوطني الحر”، ولا يريد أن تحصل “القوات” مثلاً على “حصّة الأسد” في المجلس.
في النهاية، قد يكون “الصمت الانتخابي” الذي يهيمن على المشهد من الآن حتى الأحد، باستثناء مساء الخميس ونهار الجمعة، “مريحًا” للجو العام، الآخذ في التفاقم والتوتر، ليبقى الأكيد أنّ ما بعد الأحد “يوم آخر” على كلّ الصعد، سواء جاءت النتائج وفق التوقعات، أم حملت “مفاجآت” غير منظورة في مكان ما..