مع أن المهرجان الإنتخابي الذي أقامه “حزب الله” أمس الأول في الضاحية الجنوبية كان حاشدًا جدًّا لم تكن لهجة الأمين العام السيد حسن نصرالله تصعيدية ، بإستثناء الشقّ الأخير من الخطاب، الذي يمكن إعتباره في المجمل سياسيًا وغير شعبوي، ويمكن بالتالي التأسيس عليه لمستقبل عنوانه “التوافق على الخطوط العريضة لخطة إنقاذية وإصلاحية”.
الجديد اللافت في خطاب نصرالله، وهذا ما إسترعى إهتمام أكثر من ديبلوماسي عربي وغربي، يمكن تلخيصه بالنقاط التالية:
– إن لبنان هو وطن نهائي لِجميع أبنائه في حدوده الحالية المعروفة.
– إن وجود الدولة مهم وأساسي لأن البديل عنها هو الفوضى.
– لا نطرح أنفسنا دولة إلى جانب الدولة ولا أحد يستطيع ان يكون بديلا عنها في كل المجالات.
– حتى في موضوع المقاومة لا نطرح أنفسنا بديلا عن الدولة.
– الحرب الأهلية خط أحمر.
– ما يجب أن نطمح إليه جميعًا هو دولة عادلة ومقتدرة.
– ما ندعو إليه هو الشراكة وعدم الإلغاء والإقصاء.
– أن الإقصاء تحت عنوان أقلية وأكثرية في نظام طائفي يدفع بالبلد نحو مغامرات.
– لبنان لا يتحمل طائفة ولا حركة ولا حزبا ولا تيارا قائدا مهما بلغ من القوة وفائض القوة.
– لا نتحدث لا عن إسقاط نظام ولا إقامة نظام سياسي جديد، ولا عن إسقاط دولة ولا عن إقامة وبناء دولة من جديد.
– في نظام طائفي مثل النظام اللبناني كلام الأغلبية والأقلية كلام غير واقعي ويأخذ لبنان الى أزمات.
كل هذه العناوين وغيرها وما يشلهها تقريبًا وردت على لسان أكثر من مرشح جدّي للإنتخابات النيابية وفي البرامج الإنتخابية التي يمكن أن تشكّل مادة تأسيسية لحوار مستقبلي هادىء ورصين ومتزن وهادف، خصوصًا بعد أن ينقشع غبار المعارك الإنتخابية، وبعد أن يتمثّل الجميع وفق أحجامهم الحقيقية وغير المصطنعة، ونتيجة خيارات المواطنين الذين يتهيأون للإدلاء بأصواتهم وفق قناعات قائمة على أسس ومبادىء لدى البعض من جهة، وعلى ما يتوق إليه الناس من أنماط تغييرية من جهة ثانية.
ما قاله السيد نصرالله في مهرجان الضاحية الجنوبية يمكن التأسيس عليه إذًا لمشروع حواري مستقبلي يشارك فيه الجميع، وبالأخص يمكن الإفادة من مضامينه، التي وصفها بعض المتابعين بأنها جديدة ومتقدمة، كترجمة عملية للشعارات بعد مرحلة الإنتخابات النيابية أولًا في مجال تشكيل حكومة جديدة من دون تباطوء ومماطلة وتسويف، والعمل ثانيًا على تأمين الظروف المناسبة للإستحقاق الرئاسي خوفًا من وقوع لبنان مرّة جديدة في تجربة “الفراغ”، الذي سيكون هذه المرّة كارثيًا إذا ما وقع.
وتأسيسًا عليه، يمكن أن يجلس الجميع من جديد، وفي ظل رئيس جديد للجمهورية وحكومة تعبّر عن توجهات مختلف مكونات البلد، وذلك لطرح كل الهواجس وكل ما يقلق هذه الفئة أو تلك، إذ أن المصالحة الحقيقية تفرض مصارحة شفافة وجريئة، وعدم الإختباء وراء أصابع الأوهام.
يجب أن تُطرح كل الأمور على طاولة الحوار، وبوجود جميع المكونات السياسية والطائفية، بما فيها الإستراتيجية الدفاعية بكل تفاصيلها وعناوينها، خصوصًا أن الجميع مؤمن بأن لا سلاح يعلو على سلاح الشرعية اللبنانية.
إنطلاقًا مما رأيناه من نواحي جديدة من الوجه الآخر للسيد نصرالله، وما يمكن أن تكون عليه طروحات الآخرين بعد معركة “داحس والغبراء” الإنتخابية، يمكن رسم معالم المرحلة الآتية، التي تتطلب من الجميع من دون إستثناء تقديم بعض التنازلات بهدف تقريب المسافات ووجهات النظر، من دون أن يعني ذلك أن الإتفاق بين خصوم الأمس سيكون تامًّا ومنجزًا بسحر ساحر وبكبسة زرّ.
