منذ إعلان رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري تعليق مشاركته في العمل السياسي وعزوفه عن خوض الانتخابات النيابية، يكثر الحديث عن “مقاطعة سنيّة” للاستحقاق، قيل إنّ الرجل دعا إليها “ضمنًا”، رغم صدور دعوات في المقابل من جانب شخصيات لها حيثيتها ووزنها بوجوب المشاركة الكثيفة في الاقتراع، وعلى رأسها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، في خطبة عيد الفطر الشهيرة.
وبالأمس، تكرّرت هذه الدعوات على لسان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي نفى وجود أيّ مقاطعة سنيّة، مطالبًا بمشاركة كثيفة في اختيار البرلمان الجديد، الذي سيضمّ في عضويته 27 نائبًا سنيًا منتخبين من الشعب، وكذلك وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي الذي وجّه “نداء” إلى الناخبين السنّة بضرورة الإقبال الكثيف على صناديق الاقتراع، باعتبار أنّ دورهم اليوم جوهري ومهمّ، ولا يجوز التقليل من شأنه.
في المقابل، ساد “الصمت” أوساط تيار “المستقبل”، تزامنًا ربما مع “الصمت الانتخابي”، لكنّه صمت يرجَّح أن يستمرّ إلى ما بعد الأحد، من دون الحصول على “فرصة أخيرة” بين مساء الخميس ومنتصف ليل الجمعة السبت، خلافًا لكلّ ما أثير في الآونة الأخيرة عن “نداء” سيوجّهه رئيس التيار سعد الحريري لأنصاره بالمشاركة في الانتخابات، انسجامًا مع رغبة بعض الأطراف المحلية والإقليمية، وفق ما تردّد.
هل يغيّر الحريري موقفه؟
بالنسبة إلى المتابعين، وبمعزل عن موقف الحريري، لا يمكن الحديث عن “مقاطعة سنيّة” حقيقية للانتخابات المزمع إجراؤها الأحد، فرئيس تيار “المستقبل” أساسًا لم يدعُ إلى مقاطعة الانتخابات، بل قال إنّه لن يشارك فيها على المستوى الشخصي، ودعا “الملتزمين” معه إلى عدم الترشح، وإن ساد جو عام يميل نحو “المقاطعة”، لاعتبار شريحة واسعة من جمهوره بأنّه “غير معنيّ” بانتخابات لا يشارك فيها زعيمه.
ويقول هؤلاء إنّ هذا الميل نحو المقاطعة ازداد مع شعور هذا الجمهور بوجود “طامحين” لوراثة الحريري، ممّن كانوا إلى جانبه، لكنّهم اختاروا “التمرّد” عليه في هذه اللحظة الدقيقة، ولم يتردّدوا في “التصويب” عليه، بل اتهامه بخدمة المعسكر الإيراني باعتكافه، رغم أنّه أساسًا وضع نفوذ الأخير في دائرة “الأسباب الموجبة” لانسحابه، ولا سيما أنّ “المزايدين” أنفسهم كانوا يتهمونه بخدمة هذا المعسكر حين كان في السلطة.
انطلاقًا من ذلك، يستبعد هؤلاء العارفون أن يلجأ رئيس تيار “المستقبل” إلى أيّ تغيير “علني” في موقفه من الانتخابات، قبل يوم الأحد، رغم ما يحكى عن “ضغوط” يتعرّض لها، من هذا الطرف أو ذاك، مشيرين إلى أنّ الحريري باقٍ على موقفه، المُعلَن كما المُضمَر، على أن يبلور المشهد الانتخابي يوم الأحد صورة “ما بعد 15 أيار”، حيث يُبنى حينها على المقتضى، ولو أنّ عزوفه السياسيّ لم يكن مقترنًا بالاستحقاق الانتخابي حصرًا.
لا “مقاطعة سنية”
عمومًا، وبعيدًا عن موقف الحريري والحسابات والاعتبارات التي ينطلق منها، وبمُعزَلٍ عمّا قد يستجدّ على موقفه قبل الأحد، يقول العارفون إنّ الحديث عن “مقاطعة سنيّة” مُبالَغ به، فالإقبال على الترشيح في المناطق المحسوبة على السنّة مثلاً، حيث سُجّلت أعلى نسبة ترشيحات، وحده دحض هذه الفرضية، وكذلك مستوى المشاركة في انتخابات الاغتراب، حيث كان حضور “لافت” للناخبين السنّي في أكثر من عاصمة.
ومع أنّ هناك من اعتبر أنّ النسبة كانت “خجولة” نسبيًا، خصوصًا أنّ من صوّتوا كانوا قد أبدوا اساسًا رغبة في الاقتراع من خلال تسجيل أسمائهم في المقام الأول، يشير آخرون إلى أنّ نسبة الاقتراع لدى الطائفة السنيّة لم تكن عالية أصلاً في دورة 2018، وبالتالي فإنّ هذا الأمر قد لا يكون “طارئًا” اليوم بالنظر إلى المتغيّرات السياسية، ولو أنّ هناك من يعتقد أنّ “النقيض” يجب أن يحصل، بعد كمّ الأحداث التي حصلت منذ 2018 حتى اليوم.
لا يعني ذلك أنّ انكفاء “تيار المستقبل”، وهو صاحب الحجم التمثيلي الكبير سنيّا، لن يترك تأثيره، لكونه يحمل أساسًا الكثير من الرسائل والدلالات السياسية في مطلق الأحوال، إلا أنّ هذا التأثير لن “يشوّش” وفق العارفين، على العملية الانتخابية بالمُطلَق، لأنّ “جوهر” الديمقراطية يكمن هنا بالتحديد، علمًا أنّ الأنظار بدأت تتّجه من الآن إلى ما بعد الأحد، وخريطة البرلمان الجديد، التي يُقال إنّها لن تغيّر الكثير في “تركيبة” الحكومة المرتقبة.
يقول البعض إنّ “حقّ” الرئيس سعد الحريري أن “يقاطع” الانتخابات، في إطار تسجيل موقف سياسيّ، ولو أنّه لم يعلن ذلك صراحةً، ويقول البعض الآخر إنّ من حقّ جهات أخرى، قريبة أو بعيدة منه، أن تسعى لـ”توظيف” مثل هذه المقاطعة لمصلحتها. لكنّ الأكيد أنّ المشاركة في الانتخابات تبقى الأساس، لأنّها وحدها تستطيع أن “ترسم” صورة البرلمان الجديد، الذي قد يُبنى عليه الكثير في الاستحقاقات المرتقبة، على كثرتها وحساسيّتها.