أصوات المغتربين أشعلت المنافسة بين الاحزاب المسيحيّة… ماذا عن المجتمع المدنيّ؟

13 مايو 2022


أصبح معلوماً أنّ المغتربين اقترعوا بالنسبة الاكبر في “الدوائر المسيحيّة”، ما يطرح عدّة تساؤلات في ظلّ عدم بروز النتائج بعد. هل صوّت المنتشرون للتغيير، أمّ أشعلوا المواجهة بين الاحزاب المسيحيّة، وعلى المقاعد التي تشهد معارك حاميّة في ما بينهم، وخصوصاً بعد جولات المرشّحين ورؤساء أحزاب مسيحيّة في بلدان الاغتراب؟

 
حازت دائرة المتن على نسبة مهمة من التصويت (9812 صوت)، وعلى أساسها ستُخلط أوراق نتائج الانتخابات. ففيها يخوض “التيّار الوطنيّ الحرّ” معركة مقعد الروم الكاثوليك، وإبقاء النيابة من حصّة مرشّحه إدي معلوف. فيما “القوّات” تعمل على التضييق على الاخير. ونقلت المواجهة من المقعد المارونيّ إلى الروم الكاثوليك. وتجدر الاشارة إلى أنّ “القوّات”، كما “التيّار”، نالا العدد الاكبر من أصوات الاغتراب عام 2018. ولكن، بعد “ثورة 17 تشرين”، ووصول البلاد إلى ما هي عليه إقتصاديّاً، فإنّ كلّ الترجيحات تُشير إلى أنّ فريق “العهد” فقد شعبيّة لا بأس بها. غير أنّ الاحصاءات فقط تُوَكّد عند إعلان النتائج.
 
كذلك، فإنّ نسب الاقتراع في بلدان الاغتراب كانت لافتة في بيروت الاولى. ويرى مراقبون أنّ الـ6320 صوتاً، إنّ صبّت لجهة واحدة، وخصوصاً، لقوى التغيير، فإنّ المعادلة ستتغيّر كثيراً في هذه الدائرة. فالرقم يعني أكثر من حاصلٍ. والترجيحات تقول إنّ لائحة “لوطنيّ” ستقدر على تأمين حاصلين، إنّ كانت نسبة التصويت منخفضة من جهة، وحاسب المقترعون أحزاب السلطة في صناديق الاقتراع من جهة ثانيّة. غير أنّ مراقبين، يلفتون إلى أنّ أصوات المغتربين، يمكنها حكما أنّ تساهم في رفع الحاصل.
 
في المقابل، يُشير المراقبون إلى أنّه إذا تكرّر مشهد المغتربين الذي انتظروا لساعات في بلدان الانتشار في لبنان، للتصويت لصالح التغيير، فهذه ستكون نقطة تحوّل أسياسيّة في المشهد السياسيّ. ويُضيفون أنّ عقدة تعدّد لوائح المجتمع المدنيّ، وخلافات أركانه، ستقف وحدها عائقاً، أمام تحقيق فوزٍ كبيرٍ يوم 15 أيّار.
 
والجدير بالذكر أنّ المواجهة تشتدّ على المقعد المارونيّ بشكل أساسيّ في الاشرفيّة. ويبقى السؤال، هل أعطى عدد كبير من المغتربين المسيحيين أصواتهم للنائب المستقيل نديم الجميّل، أمّ أنّ “القوّات” كان لها حصّة أكبر، وخصوصاً مرشّحيها غسان حاصباني، وحليفه في اللائحة جورج شهوان (المنافس الاساسيّ للجميّل)؟ وللمفارقة، فإنّ “الكتائب” نالت 1086 صوتاً عام 2018، من أصوات الاغتراب المسيحيّة، أيّ أقلّ بثمانيّة مرّات من “القوّات” و”الوطنيّ الحرّ”.
 
ومن أهّم المعارك الانتخابيّة، التي تحمل بعداً رئاسيّاً، دائرة الشمال الثالثة، حيث الجميع يُريد إسقاط النائب جبران باسيل. وكان ملحوظاً إقتراع 5198 صوتاً إغترابيّاً، في زغرتا، ما يُريح تيّار “المردة” ورئيس حركة الاستقلال ميشال معوّض بحسب مراقبين، الذين يُشيرون أيضاً إلى أنّ 3719 مغترباً اقترعوا في قضاء بشرّي، وبطبيعة الحال، أغلبيتهم لستريدا جعجع وجوزيف إسحق، ما يعني أنّ هناك أيضاً ارتياحا لدى قيادة “القوّات” على أنّها أمّنت بشكل شبه أكيد مقعديها المارونيين. ومع توزّع 4473 صوتاً إغترابيّاً في البترون، بين باسيل وغياث يزبك وغيرهم من المرشّحين، يرى المراقبون أنّ “القوّات” تتقدّم على الاخير في دائرة الشمال الثالثة. وصحيحٌ أنّ باسيل يعاني إنتخابيّاً في الدوائر المسيحيّة بسبب التحالفات الضعيفة، إلّا أنّ لـ”التيّار” القدرة على الوصول إلى الحاصل في البترون، وتأمين فوز رئيسه بالانتخابات.
 
ويبقى السؤال عن مدى قدرة لائحة “شمال المواجهة” في تأمين الحاصل الثاني، ونسبة نيلها من أصوات الاغتراب. فمعوّض حصل العام 2018، على 867 صوتاً، وهو رقمٌ جيّد، يساعد على رفع حظوظ لائحته مع “الكتائب” ومجد حرب على رفع الكسر، والفوز بأحد المقاعد الاضافيّة في دائرة الشمال الثالثة. فإذا فشل باسيل في تأمين الحاصل، وهو أمرٌ صعب نسبيّاً، سيتمكن حرب من ربح المقعد المارونيّ الثاني في البترون.
 
ولا يجب غضّ النظر عن أنّ عدد المغتربين الذين اقترعوا الاسبوع الماضي تخطّى العدد الذي صوّت في الانتخابات الماضيّة بحوالي الـ100 ألف. فبينما نالت الاحزاب عام 2018، حوالى 94 بالمئة من أصوات المنتشرين، والمجتمع المدنيّ والمستقلّين حازوا فقط على 2379 صوتاً، يبقى الامل كبيراً في أنّ تهافت المغتربين للاقتراع، قد يكون لصالح لوائح قوى التغيير. ويختم مراقبون أنّ عدد المقترعين في الخارج زاد، بسبب هجرة اللبنانيين، وبحثهم عن العمل، وظروف معيشيّة أفضل. وهؤلاء لديهم توجّهاتهم السياسيّة بمعظهم. فإنّ أعطوا الثقة مجدّداً لمن ساهم برحيلهم عن وطنهم، وهذا الامر ليس مستبعداً أبداً، فإنّهم ليسوا فقط يُشجعون من تبقى على الهجرة، وإنّما يُعززون الانقسام الطائفيّ – السياسيّ الذي يتحكمّ بالمشهد التشريعيّ في البلاد.