حكومة ما بعد الانتخاب: التأليف قبل التكليف؟

14 مايو 2022
حكومة ما بعد الانتخاب: التأليف قبل التكليف؟


كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”: يبدو أن المعارضة المنبثقة عن الانتخابات، أكانت تقليدية أو تغييرية، إضافة إلى تلك المتمثلة بتيار “المستقبل” بعد عزوف زعيمه الرئيس سعد الحريري عن خوض الانتخابات، لن تتصرف منذ الآن على أنها ستتناغم مع دعوة نصرالله لتشكيل حكومة سياسية بغياب حد أدنى من التفاهم حول أبرز النقاط التي تُبقي الاشتباك مفتوحاً، إضافة إلى أنها ليست في وارد تعويم «العهد القوي» مع اقتراب انتهاء ولايته.
كما أن إحجام المعارضة أو غالبيتها، كما تقول مصادرها، عن الدخول في شراكة في حكومة يمكن أن يطغى عليها اللون الواحد سيدفع بالأكثرية النيابية للبحث عن خيارات بديلة تتجاوز أبسط الحلول بالإبقاء على حكومة تصريف الأعمال على نطاق ضيق، برغم أن هذا الخيار وإن كان يشكل محاولة للهروب إلى الأمام، فإنه لا يفي بالغرض المطلوب لوقف تدحرج لبنان نحو الانفجار الاجتماعي الشامل، ولا يُسهم في تزخيم المفاوضات مع صندوق النقد حتى لو اضطر البرلمان مُرغماً للجوء إلى تشريع الضرورة الذي لن يكون له جدوى، طالما أن أهل البيت الواحد الذي تتشكل منه الأكثرية النيابية في حال تأمنت لا يعمل على موجة واحدة لتضييق رقعة الخلاف حول البرنامج الإصلاحي، وما يُفترض أن يتفرع عنه من تشريعات.
ويبقى السؤال عن كيفية تصرف رئيس الجمهورية وفريقه السياسي وما صحة ما يتردد بأن هناك صعوبة في إعادة إحياء قوى «8 آذار»؟ وقد يكون الحل بتجميعها لمراعاة زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، الذي قرر الخروج منها تنظيمياً في مقابل تطابقه إلى حد كبير مع طروحاتها السياسية.
ففرنجية بات مضطراً للتمايز، ولو تنظيمياً، عن قوى «8 آذار»، في محاولة ليقدم نفسه على أنه يخوض الانتخابات الرئاسية من موقع مستقل في محاولة لإحداث خرق داخل المعارضة، مع أن قواها التقليدية قالت كلمتها بعدم انتخابه، ويمكن أن ينسحب موقفها على القوى التغييرية إذا أوصلت من يمثلها إلى البرلمان.
ولا بد من التريث لرصد الموقف النهائي لممثلي المعارضة التقليدية من إعادة انتخاب رئيس حركة «أمل» نبيه بري رئيساً للبرلمان لولاية جديدة، مع أن أبرز رموزها ما عدا كتلة نواب «اللقاء الديمقراطي» عبروا عن رغبتهم بعدم انتخابه، فيما سيضطر نواب «التيار الوطني» إلى انتخابه، ولو من باب ترك الحرية لهم، وأن تلويح باسيل بموقف سلبي من الرئيس بري يريد استخدامه من باب المزايدة قبل موعد إجراء الانتخابات النيابية لعله يرفع من أسهمه في الشارع المسيحي.
وعليه، فإن إعادة انتخاب بري بغياب أي منافس شيعي يقود إلى تحديد موعد إجراء الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة المكلف، لأن لا مجال لتأخير إنجازها، كما حاول عون في السابق بذريعة أن الأولوية يجب أن تُعطى لعملية «التأليف» لتسهيل مهمة الرئيس المكلف بتخطي العقبات التي يمكن أن يصطدم بها، وهذا ما قام به عون قبل تكليف الحريري، واستبق تكليفه بدعوة النواب إلى تحكيم ضمائرهم وهم يستعدون لتسمية من سيكلف بتأليفها.
 
وقوبلت دعوة عون في حينها بمعارضة شديدة لأنها أظهرت رغبته بعدم التعاون مع الحريري، واضطر للتسليم بتكليفه، ليبادر لاحقاً وبضغط من باسيل لدفعه للاعتذار وسط صمت «حزب الله» الذي أعلن دعمه لتوليه رئاسة الحكومة من دون أن يبادر إلى ترشيحه، ليتبين لاحقاً أنه كان على تنسيق مع حليفه، وإن نأى بنفسه عن الدخول مباشرة كطرف معطل لولادة الحكومة لتفادي إقحام البلد في اشتباك.
لذلك فإن عون سيدعو لإجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لكنه سيحتفظ لنفسه بالإفراج عن تشكيل الحكومة ما لم تأتِ التركيبة كما يريدها باسيل، وإن كان فريقه السياسي يفضل التريث ريثما يتمكن من ربط التكليف بعملية التأليف لئلا يُتهم بأنه يقدم التفاهم على التركيبة الوزارية قبل شروع عون بتحديد موعد للاستشارات. فعون بدعوته لإجراء الاستشارات يكون قد تفادى الإحراج محلياً ودولياً ليطلق لاحقاً يد باسيل لزرع العبوات التي تعيق ولادة الحكومة ما لم تكن له اليد الطولى بتسمية الوزراء المسيحيين، بذريعة أن المعارضة المسيحية لن تشارك فيها وإلا يبقى الخيار الوحيد التمديد لحكومة تصريف الأعمال.