لنفترض أن حكومة ما بعد الإنتخابات النيابية وما قبل الإنتخابات الرئاسية ستتشكّل سريعًا ومن دون أن تعترضها عقبات الربع الساعة الأخير، وهذا ما إشترطه الرئيس نجيب ميقاتي لقبوله تحمّل مثل هكذا مهمة ، كما فعل في المرّة السابقة، فإن عمرها سيكون قصيرًا جدًّا تمامًا كعمر سابقتها، وسيكون من أولى مهامها تهيئة الأجواء لإنتخابات رئاسية طبيعية والحؤول دون الوقوع في أي فراغ، بإعتبار أن حصول هذا الأمر سيكون قاتلًا هذه المرّة بكل ما لكلمة “قاتل” من معنىً، فضلًا عن إستكمال ما بدأت به حكومة “معًا للإنقاذ” من خطوات إصلاحية، سواء بالنسبة إلى إقرار موازنة العام 2022، أو لجهة إستكمال مفاعيل الإتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، أو لجهة إقرار مشروع قانون “الكابيتال كونترول”، وبالتالي إقرار “خطة التعافي” بكل تفاصيلها ومندرجاتها.
وقد جاء إشتراط قبول الرئيس ميقاتي بهذه المهمة الصعبة كما سابقتها مشفوعًا بإقتراح عملي وجدّي وغير شعبوي، ويقضي بالسير بهذه المهمة مع الوزراء أنفسهم لأنهم “وزراء 24 قيراط”، مع إدخال بعض التعديلات على البيان الوزاري، خصوصًا في ما خص موضوع الإنتخابات النيابية، والحصول بالطبع على ثقة جديدة من قِبل مجلس النواب الجديد.
عمليًا يُفترض أنه مع انتهاء الانتخابات النيابية مساء اليوم وصدور النتائج الرسمية مساء يوم غد، الانتقال من مرحلة الى أخرى، حيث يُنتخب رئيس للمجلس الجديد ونائب للرئيس وهيئة مكتب، إيذاناً بانتقاله الى ولاية السنوات الأربع المقبلة، وبالتالي إعتبار حكومة الرئيس ميقاتي في حكم تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
و قد جاء إقتراح الرئيس ميقاتي تلافيًا لإدخال البلاد في “بازار” التجاذبات السياسية، التي ترافق عادة تشكيل الحكومات، خصوصًا أن مواقف جميع الأطراف التي سيتكّون منها المجلس النيابي الجديد معروفة سلفًا، وهو إقتراح إعتبرته مراجع نيابية ودستورية إقتراحًا عميليًا بإعتبار أن مهمة الحكومة الآتية معروفة ومحدّدة، وهي تأتي لإستكمال ما بدأته الحكومة السابقة. وترى أن البلاد لا تحتمل ترف الوقت لأن عمر هذه الحكومة سيكون قصيرًا، خصوصًا إذا أُريد السير بالخطوات الإنقاذية المستتبعة لما تمّ وضعه سابقًا، وإذا ما قُدّر لها الوصول إلى الإستحقاق الرئاسي وفق ما ينصّ عليه الدستور أولًا، ووفق ما تفرضه مصلحة البلاد والعباد أولًا وأخيرًا.
المدة الفاصلة بين بدء ولاية البرلمان الجديد والمهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ثلاثة أشهر وعشرة أيام، وهي مدّة قصيرة جدًّا لا تسمح بكثير من المناورات السياسية، إذ أن البلاد تعيش أدّق مرحلة في تاريخها، من حيث صعوبة الأزمة الإقتصادية وإنعكاساتها السلبية على حياة المواطنين.
فقبل إقتراح الرئيس ميقاتي وما إشترطه للقبول بهذه المهمة كان هناك جو يقول بأن بتشجيع السير بحكومة مطابقة للحالية، وإذا إُعيد تكليفها تكون زيادة “الخير خيرًا”.
فالتجارب السابقة أثبتت أن الوزراء الحاليين يعملون كفريق عمل واحد ومنسجم، من حيث الأهداف والوسائل المتاحة، وهم إستطاعوا وبإعتراف الجميع، تخطّي الكثير من الصعوبات والعقبات التي وضعت أمامهم، وأهمّها إجراء إنتخابات نيابية في موعدها الدستوري، قياسًا إلى المشاكل التي لا تُعدّ ولا تُحصى التي واجهت حكومة “معًا للإنقاذ”، وأهمهما التوترّ الذي أصاب العلاقات اللبنانية – الخليجية، وما بُذل من جهود في هذا الإطار، وبكثير من الحكمة، لإعادة هذه العلاقات إلى مسارها الطبيعي.
وخلافاً للحكومة الحالية فإن مهمة الحكومة العتيدة مزدوجة وهي إقرار خطة التعافي ومواكبة انتخابات رئاسة الجمهورية في المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد. وبانتخاب رئيس جديد للبلاد تصبح الحكومة بدورها في حكم المستقيلة، إلا إذا وقع فراغ في رئاسة الجمهورية وتعذّر انتخاب خلف للرئيس ميشال عون، ما يمدّد في عمرها وتولّيها مجتمعة صلاحيات رئيس الجمهورية، عملاً بالمادة 62 من الدستور، وهذا ما لا يتمناه أحد، خصوصًا أن الرئيس عون كان واضحًا في آخر تصريح له، حيث أكدّ أنه لن يبقى دقيقة واحدة في قصر بعبدا بعد 31 تشرين الأول المقبل.