إنه “اليوم الكبير”… إنتخبوا بكثافة

15 مايو 2022
إنه “اليوم الكبير”… إنتخبوا بكثافة


حتى ساعة متأخرة من ليل الجمعة، أي قبل ساعات من آخر مراحل الصمت الإنتخابي، أفرغت جميع القوى السياسية المتنافسة والمختلفة على الإستراتيجيات وأدّق التفاصيل ما لديها من ذخائر، إستعدادً لـ”اليوم الكبير”. 

فجميع هذه القوى راهنت على نتائج هذا اليوم إعتقادًا منها بأنها ستصّب في مصلحة مشاريعها المستقبلية. الجميع يراهن على الناخب المقيم بعدما قال الناخب المغترب كلمته، وهي كانت “تغييرية” بإمتياز. والمفارقة هنا أن جميع هذه القوى، سواء أكانت في السلطة أو معارضة لها ولنهجها، تعتبر نفسها “تغييرية”، وهي باتت تصدّق “كذبتها”، تمامًا كما فعل جحا. 
الجميع ومن دون إستثناء يستنهضون الهمم، ويدعون الناخب إلى الإقبال على صناديق الإقتراع بكثافة وبحماسة، متناسين حقيقة أن المواطن يعاني على رغم رغبته الجامحة في التغيير، وفي قبع غالبية الطبقة السياسية ،فهو بالكاد قادر على تأمين “تنكة” بنزين للذهاب إلى قريته النائية لممارسة حقّه الإنتخابي، ولكي يقول لهذه الطبقة: كفى. كفى إذلالًا. كفى إستخفافا بعقول الناس وكراماتهم. ولكن وعلى رغم كل ذلك سيقبل على صناديق الإقتراع بكثافة ليحدث الفرق المنتظر، ولكي يكون لصوته لقيمة الفعلية. 
صحيح أن اللبناني اليوم في حاجة ماسّة إلى أي نوع من أنواع المساعدة، ولكن ليس على حساب كرامته ومبادئه وأخلاقه.  
فمقولة “قباض منن وصوّت لغيرن” هي أدنى درجات السفاهة التي تكاد تكون لغة مشتركة بين شريحة واسعة من المرشحين تقريبًا، من دون أن نعرف حقيقة من هو “الراشي” ومن هو “المرتشي”، مع الإشارة إلى أن ظاهرة “شراء الأصوات” باتت متفشية على “عينك يا تاجر” من دون رادع، على رغم ما طالب به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بإتخاذ كل الإجراءات الردعية لمنع تفشّي هذه الظاهرة، خاصة في “اليوم الإنتخابي الكبير”. 
وبالعودة إلى مخازن الأسلحة السياسية الثقيلة والمتوسطة والخفيفة التي إُفرغت بالتتابع خلال شهرين تقريبًا لوحظ أن المواطنين مهتمّون بأمور أخرى غير إهتمامات أهل السياسة. فالمواطن المكتوي بنار الغلاء المتصاعد صاروخيًا على مقياس الإرتفاع الجنوني للسعر الدولار لا “تفرق معه” كثيرًا إن فاز في هذه الإنتخابات زيد أو عمر. فهما في النهاية “قابرين الشيخ زينكي سوا”. وهما بالتالي من أوصلا الشعب إلى الفقر والعوز والجوع. وكما “حنا كما حنين”. كلاهما وجهان لعملة واحدة، وكلاهما لجأا إلى خطابات طائفية ومذهبية وحملات تجييش لا مثيل لها ولم تشهد أي إنتخابات أخرى ما شهدته هذه الإنتخابات من حملات تخوينية وسجالات سياسية غير مسبوقة بهدف استنفار العصبيات وشحذ همم الناخبين وجذبهم الى أقلام الاقتراع في الساعات الأخيرة. 
فالساعات الأخيرة التي سبقت سبت الصمت الإنتخابي حفلت بآخر دفعة من حملات حرب “داعس والغبراء”، حيث إستجمعت كل الحجج لإقناع الناس بوجهة نظر هذا أو ذاك، بعدما تصدّر كل من هؤلاء المشهد الإنتخاب مع الحلفاء والأنصار، وتقاذفوا من وراء متاريس المواقف التجييشية وأكالوا لبعضهم البعض كل أنواع الإتهامات، حتى أن البعض إستعمل في هذه “الحرب” كل التعابير والمفردات، من خلال نبش القبور ومآسي الماضي وويلاته وكوارثه، وأعاد إلى اللبنانيين صورًا من أيام الماضية البشعة. 
 فإستعدادًا لمنازلة اليوم حاول الجميع كسب “أصوات الحياديين” بهدف كسب المعركة وحصد أكبر عدد من المقاعد النيابية لتعزيز الأحجام النيابية والحضور السياسي وتعزيز الموقع  التفاوضي المحتمل في انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة التي يعوّل أكثر من طرف خارجي وداخلي على حصولها في موعدها الدستوري، مع سعي “حزب الله” وحلفائه، وبالأخصّ “التيار الوطني الحر”، إلى الإقتراب من عتبة الثلثين، فيما تعمل “القوات اللبنانية” ومعها “الحزب التقدمي الإشتراكي” وحلفائهما على تأمين الثلث المعطّل على الأقل، والسعي إلى الوصول إلى عتبة النصف زائد واحد. 
فإلى هؤلاء “الحياديين” و”المتردّدين” نقول اليوم أن الفرصة أمامهم سانحة، وقد لا تتكرّر، لكي قبلوا على صناديق الإقتراع بكثافة، وليقولوا كلمة حق وسواء ولينتخبوا من يرون فيهم بوادر تغييرية. فالإنتخاب اليوم، وبكثافة غير مسبوقة كما فعل المغتربون، سيعيد الحقّ إلى أصحابه حتمًا. وبهذه الطريقة فقط يوفرّون على أنفسهم الإنتحاب والتباكي على الأطلال.  
 ولكن يبقى الرهان على تبدُّل في المنحى التغييري للسياسات والتوجهات والأدوات والأدوار، بعد “الأحد الكبير” الذي يحمل في طيّاته غرائب تحالفية وانتخابية، وعجائب في التمثيل، ايا كانت نسب الاقتراع، وطبيعة التكتلات المقبلة في مجلس 2022.